أغسطس 10, 2024

|

بواسطة: asmaa

|

Categories: قلم يقرأ

الحركة الإسلامية - ثغرات في الطريق (9)

أسماء راغب نوار | الحركة الإسلامية - ثغرات في الطريق (9)

بقلم: دكتور/ عبدالله النفيسي - أستاذ العلوم السياسية

الحركة الإسلامية,النظام العام


ملاحظات حول النظام العام للتنظيم الدولي

لجماعة الإخوان المسلمين

تأكيدات استدراك:

الحركة الإسلامية

قلنا في الكلمة المنشورة 24/6/1989 أن تركيزنا على الثغرات في عمل الحركة الإسلامية لا يعني أننا ننفى عنها الإيجابيات والمنجزات لكن ما نود أن نؤكده هو أن الحديث عن الإيجابيات والمنجزات لا يورث سوى مزيد من الرخاوة والتواكل وقد أصابنا من ذلك الكثير - بينما التنبيه للثغرات ربما يحرك فينا اليقظة المطلوبة، وخطوات أشد طلبا نحو التصحيح والتقويم، ولأننا نعتقد أن الحركة الإسلامية بحاجة إلى يقظة تؤدي إلى تصحيح أوضاعها الداخلية أكثر من حاجتها إلى معسول القول ولينه لذا سيتركز الحديث على (الثغرات) قياما بواجب الصدق مع من يستحقونه.

للمزيد انظر: غياب التفكير المنهجي

وقلنا أيضا أننا نشعر ونحن نمارس الكتابة في هذا الموضوع أننا نمارس نقدا ذاتيا ، أي نقدا لأنفسنا وليس نقدا للطرف (الآخر)، ولو كانت مصارف النقد الذاتي والحوار الصريح مفتوحة ضمن إطارات الحركة الإسلامية لما دعت الحاجة إلى مناقشة قضايا هامة خارج الإطارات الرسمية للحركة لكن حيث إن الهيئات القيادية في الحركة تُؤثِّم ذلك وتضعه في خانة (الفتن وتلبيس إبليس) فلا مناص - والحالة هذه - من طرح الموضوع خارج الإطارات الرسمية للحركة، وقلنا - ردا على القول الساذج بأن مناقشة قضايا الحركة الإسلامية في وسائل الإعلام، من شأنه أن يكشف ظهر الحركة لأعدائها - بأن العصر الذي نعيش يتميز بالثورة في نظام المعرفة والمعلومات، لقد تم نشر مئات الأبحاث والرسائل الجامعية وعقدت كذلك عشرات المؤتمرات وصدرت مجلات و جرائد ونشرات أرشيفية خاصة وتشكلت لجان دولية وحزبية خاصة في حلف الأطلسي وحلف وارسو وغيرهما من التكتلات، كل ذلك لمتابعة أخبار الحركة الإسلامية وتطور أدوارها في الأقطار العربية والإسلامية على وجه الخصوص وحيث الأقليات الإسلامية (الكبيرة) في الأقطار الأوروبية والأميركية على وجه العموم، حصيلة كل ذلك كم هائل من المعلومات تم تسييلها للتداول العام والقول بأن مناقشة قضايا الحركة الإسلامية في وسائل الإعلام كفيلة بكشف ظهر الحركة الإسلامية لأعدائها - برغم ما ذكرنا عن السيولة المعلوماتية في عصرنا - هو لا شك قول ساذج إلى أبعد الحدود.

للمزيد انظر: ركنية الحوار وأساسيته وتحديد المضغة الاجتماعية

نحن فعلا نعيش في عصر ثورة المعلومات والاتصال ولا يمكن لأية دولة أو حزب أو حركة تتعاطى في السياسة أو غيرها من مجالات النشاط الإنساني أن تفرض على نفسها طوقا من الظلام أو العزلة عن المحيط بها، وحتى لو افترضنا إمكانية ذلك فنحن نعارض أن يكون هذا شأن حركة تحمل الإسلام بديلا عالميا بما في ذلك من تحديات سياسية واقتصادية واجتماعية وعسكرية وثقافية، إن أمرا كهذا لا يتم في الأقبية والسراديب -ولا بعقليتها - إنما يتم تحت الشمس وعلى ظهر الأرض وبين - الناس وقلنا - أخيرا - بأن انتقادنا للحركة الإسلامية (وبالأخص قيادات التنظيمات) لا ينبغي أن يفهم منه أننا نعاديها بل ربما يعني هذا النقد أننا أكثر حرصا عليها وقلقا على مصيرها من الذين (يعضون بالنواجد) على قيادتها، وانتقادنا للحركة (وبالأخص قيادات التنظيمات) لا يعني إطلاقا الشك بمقولاتها الإسلامية بقدر ما يعني فهما مختلفا لتلك المقولات. هذه بعض النقاط التي وددنا أن نذكر بها فنحن أبناء ملة التوحيد ونسأله تعالى أن يميتنا على ذلك ويبعثنا عليه يوم اللقاء الأكبر. ونحن في هذه السلسلة من المقالات البسيطة المختصرة نحاول أن نبلور الرأي في قضايا الحركة الإسلامية ونوصله لقياداتها وقواعدها قياما بواجب النصح تجاه كل أبناء ملة التوحيد وهو واجب تفرضه علينا تعاليم ديننا ونصوصه.

للمزيد انظر: ماذا ستفعل الحركة بجموعها الكبيرة؟

من جهة أخرى نلاحظ أن قيادة الحركة في داخل (تنظيماتها) لا تُحبَّذ الحوار ولا تشجعه، بل العكس تضيق عليه وعلى من يحاولون ممارسته. ولقد تم ذلك في عدد غير قليل من (تنظيمات) الحركة وفي عدد غير قليل من الأقطار مما يعرض الحركة - وقد حدث ما كنا نتوقع - إلى الانشطار والتشرذم لجيوب حركية وتنظيمية و (شظايا ) سرعان ما يبتلعها الغلو والتطرف كما حدث في مصر وإندونيسيا وغيرهما من الأقطار الإسلامية المركزية والحال هذه إذن لا بد من التنبيه والإصرار عليه ولو أبدى البعض عدم ارتياحهم لذلك لأن الأمر أكثر خطورة مما يتصورون وأعقد مما يتخيلون ثم أننا في نهاية الأمر لا نبحث في هذه المقالات في (الحلال والحرام) ولم - والعياذ بالله- ننكر معلوماً من الدين ولم نبحث فيه، ولكن كل ما نطرحه هو رأي في أوضاع الحركة الإسلامية لا نجبر أحدا عليه فمن كان عنده شيء أحسن منه فليأت به. وهو رأي لا نزعم فيه عصمة من خطأ. إنما هو الاجتهاد، فإن أصبنا فيه فخير إن شاء الله، وإن أخطأنا فنسأل الله العفو والمغفرة وأن يرزقنا من أجره على قدر نياتنا وهو العليم الخبير سبحانه وتعالى بها.

 

 النظام العام للإخوان المسلمين:

 

كل حزب أو جماعة تمارس نشاطاً عامًا يفترض أن يكون لها (قانون أساسي) أو (نظام عام) أو (لائحة أساسية): أو غيرها من المسميات، وفي العادة تحدد هذه الوثيقة في ديباجتها الروح التي تهتدي بها الجماعة ثم اسم الجماعة الرسمي ومقرها وأهدافها والوسائل التي تتبعها الجماعة في تحقيق أهدافها وشروط العضوية والهيئات الإدارية القيادية الرئيسية والعلاقة بينها، وفيما يتعلق بجماعة الإخوان المسلمين هناك (النظام العام للإخوان المسلمين) المعدل والصادر في صيغته النهائية بتاريخ 9 شوال 1402 هـ الموافق 29 تموز 1982 والذي يحدد في ديباجته التزامه بالإسلام وهديه وبأن (القاهرة) هي المقر الرئيس للجماعة (ويجوز نقل القيادة في الظروف الاستثنائية) إلى مقر آخر، أما أهداف الجماعة كما يحددها (النظام العام فعامة جداً وتشمل (تبليغ دعوة الإسلام إلى الناس كافة) و(جمع القلوب والنفوس على مبادئ الإسلام) و(العمل على رفع مستوى المعيشة للأفراد وتنمية ثروات الأمة وحمايتها) و (تحقيق العدالة الاجتماعية والتأمين الاجتماعي لكل مواطن) و (تحرير الوطن الإسلامي بكل أجزائه من كل سلطان غير إسلامي) والعمل من أجل قيام الدولة الإسلامية التي تنقذ أحكام الإسلام وتعاليمه) و (مناصرة التعاون العالمي مناصرة صادقة في ظل الشريعة الإسلامية) وفي حديثه عن الوسائل لتحقيق هذه الأغراض يعتمد الإخوان - يقول النظام العام - على (الدعوة بطريق النشر والإذاعة والرسائل والصحف والمجلات والكتب وتجهيز الوفود والبعثات في الداخل والخارج) و(التربية بطبع الأعضاء على مبادئ الإسلام) و(تكوين رأي عام إسلامي موحد) و(وضع المناهج الصالحة في كل شؤون المجتمع من التربية والتعليم والتشريع والقضاء والإدارة والجندية والاقتصاد والصحة والحكم والتقدم بها إلى الجهات المختصة والوصول بها إلى الهيئات النيابية والتشريعية والتنفيذية والدولية لتخرج من دور التفكير النظري إلى دور التنفيذ العملي) و(إنشاء المؤسسات التربوية والاجتماعية والاقتصادية والعلمية وتأسيس المساجد والمدارس والملاجيء والمستوصفات والنوادي وتأليف اللجان لتنظيم الزكاة والصدقات وأعمال البر والإصلاح بين الأفراد والأسر ومقاومة الآفات الاجتماعية والعادات الضارة والمخدرات والمسكرات والمقامرة) و (إعداد الأمة إعداداً جهادياً لتقف جبهة واحدة في وجه الغزاة والمتسلطين من أعداء الله تمهيداً لإقامة الدولة الإسلامية الراشدة) وأمّا باب شروط العضوية فيقول إن العضو المرشح يقضي ثلاث سنوات كأخ (منتظم) ثم بعدها يصبح (أخاً عاملا) ويؤدي بعد ذلك (عهد البيعة) الذي يتعهد فيه العضو الجديد بالتمسك بأحكام الإسلام والجهاد في سبيله والقيام بشروط العضوية في الجماعة والسمع والطاعة لقيادتها في (المنشط والمكره) ويتعهد بدفع اشتراك مالي وفق النظام المالي لكل قطر).

للمزيد انظر: ضرورة فك الاشتباك بين الدين والتنظيم

وأما الهيئات الإدارية الرئيسية للجماعة فيحددها (النظام العام) بثلاث (المرشد العام ومكتب الإرشاد العام ومجلس الشورى العام) يتناول الباب الرابع تحديد صلاحيات ومسؤوليات كل من هذه الهيئات والعلاقات فيما بينها. ويتكون النظام العام للإخوان من 47 مادة لتشمل الباب الخامس الذي يتناول موضوع (العلاقات الخارجية) بين مقر قيادة الإخوان في القاهرة وبقية الأقطار العربية التي تشكلت فيها (تنظيمات) للجماعة. ومن الجدير بالذكر هنا أن النظم الأساسية والعامة للأحزاب والجماعات لا تعتبر من الوثائق السرية بل العكس هي من الوثائق (التبشيرية) التي تحرص الأحزاب والجماعات على توزيعها وشيوعها لتعريف الناس بالأغراض التي تروم تحقيقها تلك الأحزاب والجماعات، وتأسيساً على ذلك لا نكون بمناقشة (النظام العام) للإخوان قد هتكنا سرية الجماعة لأنه من المفترض أن الإخوان يحرصون على توزيعه وشيوعه ولهذا نظن - والظن يعني أحياناً اليقين كما ورد في بعض آيات القرآن الكريم - إننا بمناقشتنا وعرضنا (للنظام العام) إنما نساهم في نشر وثيقة من المفترض أن تحرص الجماعة على نشرها. بعد هذا العرض السريع لأهم ما ورد في (النظام العام) للإخوان، بودنا أن نسجل الملاحظات التالية عليه:

للمزيد انظر: عوامل الضعف في خطاب الحركة الاجتماعي

ملاحظات على النظام العام للإخوان المسلمين:

من الملاحظات الأساسية على (النظام العام) للإخوان أن عادة النظم الأساسية العامة في الأحزاب والجماعات والدول إنما تصدر من (القاعدة) في (مؤتمرها العام) ليتم تكليف (القيادة) باعتمادها والتقيد بها، على اعتبار أن (السيادة) في أية جماعة بشرية هي للأغلبية وللقاعدة وللأمة وللشعب ولذا نجد حتى في بعض الأنظمة الوراثية يتم التقيد بذلك، أما بالنسبة للنظام العام للإخوان والمعمول به حاليا والصادر في 1402 هـ الموافق 1982م فمن الملاحظ أنه لم يصدر من (مؤتمر عام) ولم تناقشه قواعد الإخوان، وليس هذا فحسب بل إن عددا غير قليل من الإخوان يسمعون بـ (النظام العام) ولم يطلعوا عليه دع عنك مناقشته والمفترض أن يتم عرض (مشروع للنظام العام) على قواعد الإخوان ليناقشوه ويعدلوه ويلغوا ما يريدون إلغاءه من مواده وبنوده ويتوصلوا إلى صيغته النهائية ثم بعد ذلك يتم (تكليف) القيادة باعتماده والتقيد به والسير على نهجه، وهذا يكون الدليل عمليا على التزام (القيادة) بالشورى كما تنص المادة 43 من النظام العام.

للمزيد انظر: ثغرة في خطاب البنا رحمه الله

الملاحظة الثانية: على (النظام العام) هي نزوعه البارز في تأكيد (مصرية) القيادة من حيث منصب (المرشد) ومقر الجماعة وعضوية (مكتب الإرشاد) فالمرشد العام - وإن لم ينص على ذلك صراحة - ينبغي أن يكون مصريا وهذا ما حدث بالفعل وبالرغم أن جماعة الإخوان كما يتم تعريفها في (النظام العام ) هي (جماعة عالمية ) وليست (جماعة مصرية) وللمرشد العام صلاحيات هائلة ولمدة قد تطول إلى نصف قرن لأنه منصب مدى الحياة ولم تحدد له مدة زمنية كأربع سنوات أو غيرها، ومن الغريب أن يكون هذا في جماعة الإخوان وهي التي تعترض على القيادات السياسية في العالم العربي المتشبثة بالسلطة مدى الحياة، ومن الأفضل للجماعة سياسيا وإداريا أن يتم معالجة هذه الثغرة في (النظام العام) لما لها من أضرار بليغة على صورة وفعالية ومصداقية الخطاب السياسي للجماعة، وتدور النقاشات في الجماعة (همسا) حول ذلك، غير أن حلها عبر المكاشفة الصريحة الصادقة أفضل لمنطق الإيمان والتدين من تنامي (الهمس) الذي بدأ منذ 1954 ، وتنص المادة 19 من (النظام العام) على أن مكتب الإرشاد العام يتألف من ثلاثة عشر عضوا عدا المرشد العام على أن يكون ثمانية من الأعضاء من إقليم مصر، وهنا أيضا يبرز النزوع نحو تأكيد (مصرية) القيادة خاصة إذا وضعنا في الاعتبار أن (مكتب الإرشاد العام) هو (القيادة التنفيذية العليا) للجماعة كما تنص المادة 18 (من النظام العام). ومن يتابع نشاطات قيادة الجماعة يلحظ أن معظمها يدور خارج مصر لأن موضوع (قانونية) الجماعة هناك لم يحسم رسمياً، ورغم ذلك نجد ثمة إصرارًا من جانب قيادة الإخوان في مصر على أن يؤول ويخضع النشاط الإسلامي على المستوى الدولي العالمي لهم دون غيرهم، وبرغم تواجد أعداد كبيرة من أصحاب الخبرات والملكات والمواهب في الفكر والقيادة والإعلام والسياسة والاقتصاد (خارج مصر) نجد ثمة ميلا في (النظام العام) وأكثر منه في (الممارسة) نحو تأكيد (مصرية) القيادة والتوجيه، وتؤكد المادة 22 على أن ولاية مكتب الإرشاد العام 4 سنوات هجرية ويجوز اختيار العضو لأكثر من مرة، أي يجوز عملياً أن تتحول عضوية مكتب الإرشاد إلى عضوية مدى الحياة مثلها مثل مسؤولية المرشد العام، وهذه أيضاً ثغرة خطيرة في (النظام العام) للجماعة ينبغي معالجتها للحفاظ على حيوية وعصرية وأهلية القيادة التنفيذية للجماعة.

للمزيد انظر: حول الوعي الحقوقي لدى أبناء الحركة الإسلامية

الملاحظة الثالثة: تتعلق بتشكيل (مجلس الشورى العام) الذي تناولته المواد (30 - 42) وهو - أي المجلس المشار إليه ـ هو السلطة التشريعية للجماعة وقراراته ملزمة ومدة ولايته أربع سنوات هجرية. طبعا في هذا المجلس تتمثل أقطار عديدة تشكلت فيها تنظيمات للإخوان ـ على سبيل المثال لا الحصر - سوريا والجزائر ولبنان والصومال والأردن ومصر والكويت والسعودية وقطر، والبحرين، والإمارات، وغيرها. يتكون (مجلس الشورى العام) من 38 عضوا يجتمع كل 6 أشهر غير أن (التنظيم المصري) أيضا هنا ممثل بثقل غير عادي بالمقارنة بتمثيل باقي الأقطار، فيحتل (الإخوان المصريون) 13 مقعدا من جملة 38. وهذه نسبة كبيرة جدا بالقياس لأعداد ممثلي الأقطار الكبيرة مثل سوريا والجزائر على سبيل المثال. ولا يحركنا في هذا النقد لهذه الجزئية أي دافع إقليمي بقدر التأكيد على نقطة تجاوزها هذا التشكيل ألا وهي (مراعاة التمثيل الإقليمي المتوازن الذي أشارت له المادة 19 من النظام العام).

الملاحظة الرابعة: هي أننا من خلال استعراضنا لقائمة أسماء مكتب الإرشاد العام ومجلس الشورى العام نلاحظ غياب د. حسن الترابي زعيم الجبهة القومية الإسلامية في السودان بما يمثله من ثقل فكري وسياسي (عربي وإفريقي) وما يمثله من سبق في العمل الإسلامي منذ الأربعينيات، والسبب الذي يكمن وراء غياب د. حسن الترابي من الهيئات الإدارية العليا لجماعة الإخوان في مصر لأنه يعتقد - حسب قراءتنا لموقفه - إن لكل قطر خصوصيته ولا يجب أن تخضع كل الأقطار لتوجيه سياسي وفكري واحد وأن خير من يصوغ العمل والحركة في القطر هو أهله وليس أي طرف خارجي وأن هذا لا يمنع التنسيق والتشاور في الإطار العام للعمل الإسلامي دون أي صورة من صور الإلزام أو الأمر. ولهذا نجد أن (تنظيمات الإخوان) التي تخضع للقيادة التنظيمية في جماعة الإخوان في مصر شنت حملة واسعة ضد د. الترابي وفصلوا كل التنظيمات المشايعة له في أوساط الطلبة في أميركا وأوروبا وحاولوا عزلها عن المؤسسات والمراكز الإسلامية هناك ولا يزال موضوع السودان معلقا ويحتاج لحل يضمن لجماعة الإخوان في تنظيمها الدولي القوي القابليات العظيمة المذخورة في (الجبهة القومية الإسلامية) هناك.

للمزيد انظر: موضوع البيعة والطاعة

الملاحظة الخامسة: هي أن (النظام العام) في تحديده للهيئات الإدارية الرئيسية للجماعة ذكر (المرشد العام ومكتب الإرشاد العام ومجلس الشورى العام) ولم يذكر - مجرد ذكر - مستوى (المؤتمر العام) إذ بالفعل ليس هناك مؤتمر عام للإخوان وربما آخر مؤتمر (عام) عقدته الجماعة كان في يناير 1939 أيام حسن البنا رحمه الله. ونقصد بالمؤتمر العام اجتماعا يشمل القواعد بكافة مستوياتها لمناقشة أوضاع الجماعة وإقرار الخطط التي تتبناها والسياسات التي تنتهجها وتعديل وإلغاء ما تريد تعديله وإلغاءه من كل ذلك، ولا نقصد بالمؤتمر العام مخيمات شبه كشفية تكثر فيها دروس الوعظ والأناشيد وينهي فيها عن مناقشة أي قضية قد تكون خلافية بين القيادة والقاعدة. ويبدو أن قيادة الجماعة (خاصة بعد أن تكاثف فيها وجود عناصر النظام الخاص العسكري بعد وفاة حسن الهضيبي رحمه الله في صباح الخميس 11/8/1973 نقول يبدو أنها باتت لا تؤمن بالمؤتمرات العامة ولا بدور القواعد. لقد كانت وفاة حسن الهضيبي رحمه الله إيذانا بانهيار كل مقاومة ذاتية في جماعة الإخوان ضد العسكرة وبداية لانتكاسة فكرية وإدارية وسياسية عاشتها الجماعة ولم تزل منذ ذلك الحين.

وفي رأينا أن (المؤتمر العام) بات الآن مطلبا قاعديا مهما على القيادة في الجماعة أن تلبيه وتعتني بدراسة الإعداد له دون التوغل في تكتيكات التوظيف للفكرة (لقد بحثت هذا مطولا في الكلمة المنشورة في القبس 27).1989/7/

 

الملاحظة السادسة: هي أن (النظام العام) وضع بطريقة تؤثر تأثيرا مباشرا على تشكيل مكتب (الإرشاد العام ومجلس الشورى) وتفتح المجال لأقطار فرعية - مثل أقطار الخليج والجزيرة - للتحكم في مسار الجماعة السياسي والاجتماعي تأثرا بمعطيات الخليج والجزيرة أكثر منه بمعطيات الوضع العام العربي والإسلامي. ولذا نجد أن أقطار الخليج والجزيرة (الكويت والسعودية وقطر والإمارات والبحرين) ممثلة بثقل يفوق أهميتها بكثير قياسا بتمثيل أقطار مركزية كسوريا والجزائر وغيرهما، قد يكون هذا الأمر ناتج عن حاجة تنظيم الإخوان الدولي للمال فاقتضى منح هذه الأقطار هذا الثقل في الهيئات الإدارية العليا للجماعة، غير أن المراقب لهذا الأمر يلاحظ أن (نجوم المال) في تلك الأقطار الخليجية والجزيرية قد بدأوا يشاركون - من خلال الهبات والمنح - في توجيه الجماعة وتحديد مواقفها السياسية والاجتماعية بوحي من تفكيرهم الطبقي الكومبرادوري وفي هذا ضرر بالغ لصورة ومضمون العمل الإسلامي إزاء القضية العامة في المجتمعات العربية والإسلامية. لقد زاد هذا الأمر تعقيدا التنامي العنقودي للمؤسسات المالية الإسلامية حيث استطاعت (القوى المالية) التسلل إليها والتحكم (من بعد) بمسار العمل الإسلامي نظرا للترابط العضوي الذي بات بارزا بين بعض (تنظيمات) الحركة الإسلامية والمؤسسات المالية الإسلامية.

 

الملاحظة السابعة: حول (النظام العام) تتركز على (الباب الثالث) فيه والذي يبحث في العضوية وشروطها في المواد (4 - 7) فتلاحظ أن هذه المواد ركزت على حقوق التنظيم إزاء العضو ولم تذكر - مجرد ذكر - حقوق العضو إزاء التنظيم مما يعكس تدنيا بارزا لدى واضع النظام العام في وعيه الحقوقي أو ينبئ عن ميولات غير وَدُودَة فيما يتعلق بالحقوق العامة للأفراد. فالمواد في هذا الباب لا تبدأ إلا بالعبارات الآمرة (على كل عضو وعلى الأعضاء وإذ قصر العضو وغيرها): ولم نجد مادة واحدة تقول (للعضو الحق في...) وهذه ثغرة خطيرة لها دلالاتها السياسية والتنظيمية والفكرية وعلى الجماعة أن تعالجها لأن الإنسان الذي يتربى دون أن يعي حقوقه الأدبية والمعنوية والمادية ويتشبث بها ويطالب بها، هذا الإنسان قد لا يعي في مساره حقوق الآخرين في المجتمع الأوسع. وإن الحركة التي لا تعي حقوق أعضائها المتعاطفين معها في الأهداف والوسائل من الحتم أنها لن تعي حقوق الآخرين من الأفراد والفئات السياسية والاجتماعية التي قد لا تقر الكثير من سياسات الجماعة وأنشطتها.

هذه بعض الملاحظات التي نراها على (النظام العام) لجماعة الإخوان، وكما هو واضح للقارئ فبعضها منهجي وبعضها سياسي، ونعتقد أن مراجعة (النظام العام) للجماعة على ضوء هذه الملاحظات وغيرها سيكون فيها خير كثير للجماعة إن شاء الله وليس يعيب جماعة الإخوان أن تكون في نظمها ثغرات فمعظم الأحزاب السياسية والجماعات واجهت وتواجه نفس الإشكالية، ولكن العيب يكمن في تجاهل حزب من الأحزاب أو جماعة من الجماعات للثغرات في نظمها ومسارتها ونحسب أننا لا نظلم جماعة الإخوان إذا قلنا إنها فعلت ذلك لفترة طويلة من الزمن.

الحركة الإسلامية,النظام العام

للاطلاع على الكتاب بأكمله:

https://asmaanawar.pse.is/5wzr8h