مايو 20, 2024

|

بواسطة: asmaa

|

Categories: قلم يقرأ

الحركة الإسلامية - ثغرات في الطريق (2)

أسماء راغب نوار | الحركة الإسلامية - ثغرات في الطريق (2)

بقلم: دكتور/ عبدالله النفيسي - أستاذ العلوم السياسية

الحركة الإسلامية - ثغرات في الطريق (2)

ركنية الحوار وأساسيته وتحديد

المضغة الاجتماعية

ركنية الحوار وأساسيته:

يقول الأستاذ عمر التلمساني المرشد السابق للإخوان المسلمين في مصر رحمه الله رحمة واسعة عن علاقته بمؤسس الجماعة الأستاذ الشهيد حسن البنا رحمه الله وأسكنه فسيح الجنان وأجزل ثوابه:

أنا لا أدعى أني كنت من أكثر الإخوان صلة بالأستاذ، لأن عملي وإقامتي، لم يكونا في أول الأمر بالقاهرة، بل كان من الإخوان من هو أكثر صلة به مني أمثال د. حسين كمال الدين واللواء صلاح شادي والأستاذين صلاح أبو رقيق وفريد عبد الخالق وأمثالهم. وكما يحدث في كل جماعة أو حزب أو تجمع، فقد كان لبعض الإخوان آراء ومقترحات تتعارض مع فريق آخر، ولكني بحمد الله كنت بعيدا عن هذه الخلافات كلها وكنت أرى وأسمع وأفكر بعين فضيلته وأذانه وعقله لثقتي المطلقة في صواب كل ما يرى. وقد يكون في هذا الشيء من الخطأ أو إلغاء الشخصية عند بعض الناس، ولكني كنت معه "كالميت بين يدي مغسله" وكنت سعيدًا بهذا كل سعادة.. وتلك من مميزات جماعة الإخوان المسلمين الطاعة المطلقة لمرشدهم في غير معصية. انظر: التلمساني (ذكريات لا مذكرات)، دار الطباعة والنشر الإسلامية، القاهرة 1985، ص 104 - 105.

للمزيد انظر مقال: تقديس الأشخاص

تنطرح خلال كلمات المرحوم التلمساني بعض المفاهيم الخطيرة الراسخة في جماعة الإخوان والتي نرى أنها بحاجة لوقفة مراجعة. فالرجل كتب هذا الكلام عام 1985 أي عندما تجاوز سن الثمانين (التلمساني من مواليد شعبان 1322 هـ نوفمبر 1904) وهو من الذين قضوا في السجن 17 عاما (1954 - 1971) وفي صفوف الإخوان 39 عاما قدم فيها الغالي والنفيس حتى لقي ربه في الساعة الثالثة والنصف قبل فجر الخميس 14 رمضان 1406هـ الموافق 22 مايو 1986 رحمه الله.

يعكس التلمساني بعض المفاهيم الراسخة في جماعة الإخوان وهي - في رأينا - بحاجة إلى مراجعة ووقفات. فهو ينظر لأي (خلاف في الرأي) على أنها (خلافات) يحمد الله أنه كان بعيدا عنها، وكأن الخلاف في الرأي شيء من (المكروه) مع علمنا أن صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم قد اختلفوا في الرأي في بعض القضايا اختلافا شديدا ولم ينكر عليهم (سعد بن عبادة في حادث السقيفة وكذلك الخلاف الكبير بين الخليفة عمر بن الخطاب وبعض الصحابة ومنهم بلال حول أرض العنوه فقط كأمثلة ولو أردنا سرد الخلاف في الرأي بين الصحابة رضي الله عنهم لما انتهينا). وهو يؤكد (ثقته المطلقة) في صوابية كل رأي كان يبديه حسن البنا رحمه الله وفي هذا برأينا مبالغة لا داعي لها وتعطيل لرزق ساقه الله للتلمساني ألا وهو (العقل). وحتى صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم كانوا إذا سمعوا منه شيئا سألوه أهو الوحي أم الرأي؟ فإن قال: الرأي، أبدوا ما لديهم من آراء قد تخالف رأي المصطفى صلى الله عليه وسلم (مثال الحباب بن المنذر عند بئر بدر) وأما إذا قال الوحي، صمتوا ولسان حالهم يقول: سمعنا وأطعنا. وفي حد علمنا أن الوحي لم يتنزل على أحد بعد محمد صلى الله عليه وسلم خاتم الأنبياء والمرسلين. أما أن يقول التلمساني أنه كان - في حضور البنا – (كالميت بين يدي مغسله) فالرسالة التربوية التي من الممكن أن يلتقطها شباب الإخوان من تلك العبارة فخطيرة جدا. إنها إلغاء تام لشيء اسمه (الحياة) وكل ما تحمل الكلمة من حرارة وحركية ونظر وبصر ورأي وتعبير وإرادة ومبادرة لديهم ومن جهة أخرى فيها تركز مكثف للحياة لدى المغسل. كأن التلمساني - وهو المرشد الثالث بعد البنا والهضيبي - يريد أن يقول لشباب الإخوان من أطباء ومهندسين ومحامين وأساتذة جامعات واقتصاديين ومعلمين وطلبة وعمال وزراع كونوا مع قيادتكم (كالميت بين يدي مغسله). والسؤال هل هذا توجه سليم لبناء حركة تطمح أن تتقدم للعالم أجمع بـ (الحل الإسلامي) لمشاكله المتعددة المتشابكة؟

والتلمساني لا يتحدث من فراغ فثمة خوف دائم يستشعره الإخوان - وخاصة القيادة - من خلاف في الرأي إذ إنهم ألفوا أجواء غير طبيعية من القولبة المصطنعة والعسكرة الغالبة المسيجة بسياج من الشكلية والمظهرية الشرعية. من هنا غابت في جماعة الإخوان ما نستطيع أن نسميه بــ (مؤسسات الحوار والتقويم والتدقيق). ولذلك نجد جماعة الإخوان في مصر وغيرها يعتنون عناية بالغة في إقامة المعسكرات والمخيمات الربيعية والصيفية لممارسة كافة أشكال الرياضة إلا رياضة (الحوار). أما المحاضرات والدروس التي تلقى في تلك المخيمات والمعسكرات فهي (للتلقين أساسا، ونادرا ما تتناول موضوعا يحفز على (الحوار). وقد قيل لقيادة الإخوان في مصر السنة الفارطة (الماضية): إذا كان بوسعكم جمع الشباب في المخيمات والمعسكرات الربيعية والصيفية ولمدة أيام أو ربما أسابيع فلماذا لا تعقد الجماعة مؤتمرًا عامًا لهم تقيم فيه مسيرتها وتتحاور حول وضعيتها، وأهدافها، وهيكلها الإداري والقيادي؟ فأجابت قيادة الجماعة هناك أن: القانون لا يسمح بذلك؟ وبالطبع ليست الإجابة مقنعة على الإطلاق ولو صحت النية فما الذي يمنع الناس أن يتحاوروا) ويتبادلوا الرأي في شؤونهم. لكنها - والله أعلم - المخافة من (الحوار) وما قد ينتج عنه.

هذه الروح الزاجرة للحوار والمتحاورين والمثبطة للنقاش والمتناقشين والداعية لـ (الطاعة المطلقة) للقيادة ليست من الإسلام في شيء، فالذي يتأمل في القرآن يجد ضروبا من :(الحوار) بين الله والإنسان وحوار بين الإنسان والأكوان وحوار بين الإنسان والإنسان. يقول الأستاذ عمر بهاء الأميري أن كلمة الحوار بذاتها ليست غريبة عن لغة القرآن الكريم فقد وردت في أكثر من موضوع: ﴿ قَالَ لَهُ صَاحِبُهُ وَهُوَ يُحَاوِرُهُ أَكَفَرْتَ بِالَّذِي خَلَقَكَ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ سَوَّاكَ رَجُلًا﴾ الكهف :37 ﴿وَكَانَ لَهُ ثَمَرٌ فَقَالَ لِصَاحِبِهِ وَهُوَ يُحَاوِرُهُ أَنَا أَكْثَرُ مِنْكَ مَالًا وَأَعَزُّ نَفَرًا﴾ الكهف: 34. أما الروعة فكانت الحوار الذي دار بين إبراهيم عليه السلام وربه: ﴿رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِي الْمَوْتَىٰ ۖ قَالَ أَوَلَمْ تُؤْمِن ۖ قَالَ بَلَىٰ وَلَٰكِن لِّيَطْمَئِنَّ قَلْبِي ۖ﴾ البقرة: 260. وكذلك حوار موسى عليه السلام، وربه، ﴿وَلَمَّا جَاءَ مُوسَىٰ لِمِيقَاتِنَا وَكَلَّمَهُ رَبُّهُ قَالَ رَبِّ أَرِنِي أَنظُرْ إِلَيْكَ ۚ قَالَ لَن تَرَانِي، وَلَٰكِنِ انظُرْ إِلَى الْجَبَلِ﴾ الأعراف: 143. لا نجد في القرآن نهيا عن الحوار، بل تحريضا عليه وها هو إبراهيم عليه السلام يقولها بعفوية الإنسان الفطري بلى: ولكن ليطمئن قلبي. قل يزجره الله؟ أبدا (قال: فخذ أربعة من الطير فصرهن إليك ثم اجعل على كل جبل منهن جزءا ثم ادعهن يأتينك سعيا واعلم أن الله عزيز حكيم). إن للحوار ركنيته الأساسية في الوجود الإنساني وتأثير الدعاة والمرشدين والمصلحين في التاريخ ينطلق من (الحوار) ويكفي أن تذكر أن كلمة (قال) التي هي لب الحوار وردت في القرآن 527 مرة.

ولأن القيادة في جماعة كالإخوان في مصر وغيرها لا تحبذ فكرة (الحوار) بين مستويات التنظيم الإدارية، نجدها تحاول تحقيق اللحمة بين الإخوان عن طريق تنمية الشبكات العاطفية (التلقائية) الموجودة في جميع الجماعات: أسماء معينة، أناشيد، طقوس واحتفالات، وقد كانت هذه الوسيلة فعالة في تحقيق الغرض منها إلى حد ما إذ من المعروف في علم (الاجتماع القياسي) أن تعلق شخص بجماعة ما يمكن أن يعود إلى انجذاب نحو بعض (الأعضاء الذين أقام معهم علاقات حميمة وليس بالضرورة لقناعته بالأهداف المشتركة للجماعة أو حتى قناعة بقيادتها، ثم هناك ما يسميه بـ«الاختصاصيين» في دينامية الجماعات بالحاجات (الخفيفة) مثل التعبير أمام الغير عن العواطف الخاصة والأشواق الخاصة التي تحقق للمنتمي قدرا كبيرا من (الأمن العاطفي) وقد نجحت جماعة الإخوان إلى حد كبير في هذا المجال، غير أن ذلك من شأنه أن يحافظ على تلاحم الجماعة الوقتي دون أن يسهم في دفعها إلى الأمام وتطوير حركتها العلمية وتسويق مشروعها في التغيير الاجتماعي، فنحن اليوم في عصر كثرت فيه التساؤلات جراء الثورة المعرفية والمعلوماتية التي نتجت عن تطور وسائل المعرفة والاتصال ولم يعد من الممكن القبول بفكرة (الإمام) المرشد الحجة ذو العلم المحيط الذي ( ينهل) منه الناس الحكمة والمعرفة والرأي السديد هذا زمن المؤسسات الكبيرة، والنظم المرنة وتوفير متطلبات الابتكار وسيطرة العلاقات أكثر من سيطرة الهيكل وتكثيف دور الاختصاصين لا تهميشهم وتفتيت القيادة لا تركيزها وتعقيد قرار الحرب والسلام لا تبسيطه وكل ذلك غير متحقق في إطار الحركة الإسلامية الحل؟ (الحوار الكاشف) ومزيد من الخض للمفاهيم والمصطلحات، والمشاريع، والدروب، والآليات.

تحديد المضغة الاجتماعية:

مثلما أن المصطفى صلى الله عليه وسلم قال إن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح الفرد وإذا فسدت فسد الفرد فكذلك في جسد المجتمع، هناك مضغة إذا صلحت صلح المجتمع وإذا فسدت فسد المجتمع ولم ينصلح أمره. ومن يتتبع العمل السياسي في العالم أجمع وفي الوطن العربي على وجه الخصوص في فترة الخمسينيات والستينيات - يلحظ بعض الأنسقة السياسية التي غلبت على مناهج الحركة السياسية في محاولة تحديد المضغة الاجتماعية، نلاحظ مثلا أن (القوميين) قد عمدوا إلى (الجيش) حيث كونوا القناعة أنه المضغة الاجتماعية الأهم وبالفعل كانت تلك الفترة حافلة بمحاولاتهم الانقلابية (بعضها نحج وبعضها لم ينجح) ومن جهة ثانية نلاحظ أن الشيوعيين قد حددوا المضغة الاجتماعية التي تناسب أنشطتهم وهي (النقابات العمالية) وبالفعل من يتتبع نسق العمل الشيوعي في الوطن العربي في تلك الفترة )وبالذات في أقطار مثل السودان ومصر وسورية وتونس( يجد نشاطا مكثفا في النقابات العمالية، أما الحركة الإسلامية فلا يبدو أنها قد استقرت في تحديد مضغتها الاجتماعية وإن كان نشاطها في (الحركة الطلابية) يبدو أكثر بروزا، لكن هل معنى هذا أن الحركة الطلابية هي المضغة التي تشكل القاعدة الاجتماعية للحركة؟ أشك في ذلك فاستجابة القواعد الطلابية للمناشدة الدينية تحكمها عوامل كثيرة موضوعية ولا دخل لها بأي تخطيط مسبق من التنظيم الإسلامي، زد على ذلك أن من يتابع سلوك التنظيم الإسلامي ونشاطه في إطار الحركات الطلابية لا يلحظ تركيزا من جانب الأول على تطوير الثاني لكي ينضجه من أجل تحويله إلى مضغة اجتماعية، ويبدو أن جل ما يريده التنظيم الإسلامي من الحركات الطلابية هو التالي: أولا عزل عناصره الشابة الفوارة القلقة المتسائلة عن جسد التنظيم واستفراغ طاقتها في معارك (وهمية) ضد خصوم (وهميين) من الطلبة.

ثانيا: استثمار وجود تلك العناصر في عمليات الاستقطاب التنظيمي وتكثير الأعداد وتجميع الحشود وتضخيم (سواد المسلمين)، ثالثا تحريك هذه القاعدة وقت الحاجة للضغط في اتجاه معين لتحقيق غرض معين في ظرف معين وكفى، وهكذا لا يبدو أن التنظيم الإسلامي يتعامل مع الحركة الطلابية إلا من زاوية تحقق هذه الأهداف المحددة الصغيرة، من جهة أخرى يلاحظ أن مشاركة النساء والفتيات في المنظمات التي تهيمن عليها الحركة الإسلامية مشاركة واسعة لا يتناسب مع الموقف المتأخر العام للحركة الإسلامية من المرأة، بل يلاحظ في بعض الأقطار أن الانتخابات الطلابية التي أسفرت عن نجاح (الإسلاميين) إنما كان نتيجة لكثافة أصوات (الطالبات) الإسلاميات. ومرة أخرى نسأل: هل تعتبر الحركة الإسلامية المرأة المضغة الاجتماعية التي ينبغي التركيز الحركي عليها، ومرة أخرى أيضا نقول: لا يبدو ذلك، إذ قاومت الحركة الإسلامية ممثلة ببعض التنظيمات في كثير من الأقطار نشوء حركة نسائية منظمة مستقلة ولو كانت الحركة الإسلامية تنظر للمرأة على إنها المضغة الاجتماعية المناسبة لسعت بدورها لإنشاء حركة نسائية منظمة.

ويبدو من التطور العفوي للأحداث أن الحركة الإسلامية قد تضطر في نهاية الأمر لتحديد مضغتها الاجتماعية وتركيز اهتمامها بالتالي في ذلك الإطار. ويبدو كذلك أن القطاع الطلابي هو الشريحة الاجتماعية الأنسب في سلم الخيارات والاختيارات، ولا شك بأن ثمة عوامل كثيرة تدفعنا إلى القول إن الطلاب من أهم العناصر المناسبة للحركة الإسلامية فقط لو أدركت الأخيرة الأسلوب العلمي والموضوعي للتعامل مع قطاع الطلبة. نستطيع أن نطمئن إلى القول بأن الطلبة هم (الكتلة الحرجة) في العالم أجمع المرشحة لأدوار تاريخية، لقد ثبت تاريخيا في 1948 (ألمانيا والنمسا) وفي 1955 (الأرجنتين) و 1958 (فنزويلا) و 1963 (فيتنام) و 1964 (السودان) و 1966 (إندونيسيا) و 1968 (الولايات المتحدة وفرنسا وألمانيا وإيطاليا والمكسيك وإسبانيا والبرازيل والأورغواي والسنغال وتركيا ومصر ولبنان) أن قابليات الطلبة كمضغة اجتماعية كبيرة للغاية فالطلبة هم أكثر الناس إدراكا للعلاقة بين الحقوق العامة والنظام العام، ولذا كان تجاوبهم مع القضية العامة في المجتمعات البشرية دائما الأكثر حيوية، ومن المعروف كذلك أن قطاع الطلاب في كل المجتمعات يتزايد ويتضاعف يوما إثر آخر، كذلك تعاملهم وسهولة الاتصال فيما بينهم، وتفيد الدراسات الاختصاصية أن قطاع الطلاب هو أكثر الفئات مقدرة على التحرر الاجتماعي من الخلفيات العائلية والطبقية والإقليمية. من هنا نقول إن الحركة الإسلامية ربما تجد من الأنسب التعول على الحركة الطلابية في نهاية المطاف.

الحركة الإسلامية - ثغرات في الطريق (2)
للاطلاع على الكتاب بأكمله:

https://asmaanawar.pse.is/5wzr8h