يونيو 9, 2024

|

بواسطة: asmaa

|

Categories: قلم يقرأ

الحركة الإسلامية - ثغرات في الطريق (5)

أسماء راغب نوار | الحركة الإسلامية - ثغرات في الطريق (5)

بقلم: دكتور/ عبدالله النفيسي - أستاذ العلوم السياسية

الحركة الإسلامية - ثغرات في الطريق (5)

 

عوامل الضعف في خطاب الحركة الاجتماعي

سيكولوجية الاتصال بالجمهور:

مطلوب من الحركة الإسلامية وهي (تبث) خطابها للجمهور أن تدرك بعض الأسس العلمية في سيكولوجية الاتصال به. (أولا) ينبغي أن تدرك الحركة أن الجمهور ليس (جهازا لاقطا) فقط، بل لديه أيضا قدرة ذاتية على البث والإرسال أي أن لديه أيضا خطابا. من هنا نقول أن درجة استجابة الجمهور لما تبثه وترسله الحركة إليه من خطاب. ستكون موازية لدرجة استجابة الحركة لما يبثه ويرسله الجمهور إليها من خطاب، ونستطيع أن نجزم أن العلاقة التفاعلية بين الحركة والجمهور لن تأخذ مسارها الإيجابي إلا إذا أدركت الحركة هذا البعد السيكولوجي للإشكالية المطروحة. نقصد بذلك أن (التأثير والتأثر) يجب أن يشمل طرفي العلاقة (الحركة والجمهور).

فإن كانت الحركة تطمح للتأثير في الجمهور فعليها أن تدرك أنها لا تستطيع ذلك إلا إذا تأثرت به كما يتأثر هو بها. من هنا وجب قياس نبض الجمهور وتدافعه تجاه الحركة أو انفضاضه عنها واعتماد ذلك كمؤشر ودلالة على الصواب أو الخطأ في عملية الاتصال به. (ثانيا) ينبغي أن تدرك الحركة أيضا أن عملية التفاعل الاجتماعي بين الأفراد والجماعات تخضع لبعض الأسس العلمية وتنظمها بعض الميكانيزمات التي لا مناص من الاعتراف بسريانها على الجميع. ومن القواعد المهمة في هذا الصدد قاعدة (المثير والاستجابة) وهي قاعدة تحتوي على مجمل عوالم التفاعل بين الأفراد والجماعات البشرية. فكل لحظة من لحظات تطور المجتمع البشري إنما هي سلسلة من (المثيرات والاستجابات) بحيث نستطيع القول إن الحركة الإسلامية - في ذاتها - (استجابة) لجملة من المثيرات الغزو الثقافي الغربي - الاحتلال العسكري - سقوط الخلافة 1924 – التجزئة - التخلف - سوء توزيع الثروة.. إلخ) ولقد احتفظت الحركة بحيويتها في بادىء الأمر عندما كانت بحجم المثيرات التي أسلفنا ذكرها، لكن عندما تحولت إلى شيء آخر بدأت تذبل وتتكاثف فيها خمائر الضعف.

من هنا نقول إن الاستجابة ينبغي أن تكون موازية للمثير في (الدرجة والنوع)، فعلى الحركة أن تراجع وضعيتها الحالية على ضوء هذه المعادلة العلمية السننية. (ثالثا) على الحركة أن تدرك بأن الجمهور ليس مدرسة واحدة (للتلقي والتنفيذ) ففيه المثقف والتاجر والموظف الكبير والصغير والطالب والعامل والفلاح والفقير والغني والمتعلم والأمي وكل هذه الفئات قد تنتظمها وتحويلها القبيلة أو الطائفة أو الحزب أو أي شكل من أشكال التجمع الاجتماعي والسياسي. ومن المهم أن تدرك الحركة إذن أن ما يحرك الطالب في اتجاه معين، قد يحرك التاجر في اتجاه مضاد وهلم جرا وأن الموقعية الاجتماعية تؤثر تأثيراً كبيراً في نفاذ الخطاب الاجتماعي وجدواه، بل وحتى مصداقيته. ولذا نستطيع أن نقول بأن الجمهور - من حيث هو متلق لخطاب الحركة - ينقسم إلى شريحتين أساسيتين: الجمهور المُركَّز والجمهور غير المركز. نلاحظ أن الجمهور المركز (بضم الميم) يميل عادة للأعمال التجارية والشؤون العامة والهوايات ويتمتع هذا الجمهور (بعقل عام) دائم الاستعداد لتلقي المعلومات الجديدة والتأثير بها. ولا يشكل هذا الجمهور (وهو أقلية بالقياس للجمهور غير المركز) مشكلة في عملية الاتصال به أو التعاطي مع الأفكار والرؤى والتصورات التغييرية.

فالجمهور المركز من السهل توجيه اهتماماته لبؤرة فكرية معينة نظرا لاستعداداته الذاتية لتلقي المعلومات الجديدة. بيد أن المشكلة الحقيقية في الاتصال السياسي والاجتماعي تكمن فيما يسمى بالجمهور غير المركز (الجمهور الضخم الذي يقبع وراء التليفزيون) (أيا كانت البرامج) ابتداء من ساعة البث المسائي إلى لحظة السلام الوطني، جمهور يعاني من الفراغ (بكل صورة) والضياع والتعب وتراكم الهموم الصغيرة وكذلك الأشواق الصغيرة. هذا الجمهور غير المركز هو القاعدة العريضة التي تتلقى الخطاب الاجتماعي لأية حركة وهو - شئنا أم أبينا - الذي يقول (نعم) المؤثرة (ولا) القاصمة. لذا من المطلوب التركيز على دراسة هذا الجمهور دراسة علمية موضوعية لاستخلاص السبل والدروب والآليات التي تؤدي ـ في النهاية - لتفاعله مع الخطاب الاجتماعي للحركة على أن يتوفر في الحركة الاستعداد لإعادة صياغة خطابها وفق المستخلصات التي تتوصل إليها الدراسة.

افتقاد البرنامج الجاهز للتطبيق:

مع مرور الوقت وتشابك القضايا يلاحظ أن تحفظات الجمهور المركز إزاء الحركة الإسلامية تتصاعد وتزداد ولا مبالاة الجمهور غير المركز تتعمق وتتعاظم. لم يأت هذا العزوف من فراغ إذ تفيد الدراسات المتخصصة في علم الاجتماع السياسي أن الجمهور عموما لا يتحمس لمساندة أي تيار إلا إذا تحقق فيه شرطان: الأول أن يفهم مقاصد التيار وأهدافه. والثاني أن يجد الجمهور لدى التيار حلا لمشاكله التي يعاني منها. ولا أبالغ إن قلت إن الجمهور - في موقفه إزاء الحركة الإسلامية - صار في حيرة من أمره فهو بطبيعة تكوينه الديني والتاريخي - ينزع نحو الإسلام ويرحب بأي خطوة تقربه منه، لكنه لا يفهم بالضبط - وعلى وجه الدقة - مقاصد الحركة الإسلامية وأهدافها في حياته العامة وفي تكويناته السياسية والاجتماعية والاقتصادية.

ولا يكفي أن تقول الحركة الإسلامية إنها تطالب بالعودة إلى الإسلام كنظام وإن هذا هدفها فالجمهور يسمع هذا الكلام من الجميع (بل حتى من المنضوين في مناهج تتقاطع أيديولوجيا مع الإسلام). ولذا نستطيع القول إن الأصوات اختلطت في أذن الجمهور ولم يعد يعرف أو يسمع (اللحن المميز) للحركة الإسلامية. نزيد على ذلك بالقول إن الجمهور لم يجد لدى التيار الإسلامي حلا لمشاكله، بل الذي يراه يوميا في المساجد والمؤسسات والطرقات العامة أن التيار الإسلامي غير قادر على حل مشاكله هو، فكيف يتوقع (بالضم) منه أن يحل مشاكل غيره (في هذه الحالة مشاكل الجمهور). لذا بدأ الجمهور (المركز وغير المركز) يشيح بوجهه عن الحركة الإسلامية رغم تعاطفه النسبي مع منطلقاتها.

وبدلا من أن تستدرك الحركة موقفها وتراجعه وتعيد النظر في أساليب عملها وخطابها الاجتماعي بغية الحفاظ على جمهورها ومواقعها لديه، أقول بدلا من أن تفعل ذلك وتتجاوز الإشكالية، تبدأ في تنشيط - ما يسميه الأخ صلاح الجورشي في تونس – (الجهاز التبريري) الذي يتكفل في تبرئة الحركة وتجريم العالم: فيقول (الجهاز) ذاته أن منهج الدعوة الذي تتبناه الحركة هو منهج الأنبياء ومنهج الاقتداءبهم (لاحظ الاشتباك بين الدين والتنظيم بهم هنا) وإن أي نقد يوجه لمنهج الحركة هو في الأساس نقد يوجه لمنهج الأنبياء منهج الاقتداء. ولا يصدر هذا النقد إلا من داخل إيمانه دخن بهم أو يريد بالمسلمين العاملين فتنة (والعياذ بالله) أو أنه من الذين (بعدت عليهم الشقة) وجاء ذكرهم في قول الله: ﴿لوْ كَانَ عَرَضًا قَرِيبًا وَسَفَرًا قَاصِدًا لَاتَّبَعُوكَ وَلَكِنْ بَعُدَتْ عَلَيْهِمُ الشُّقَّةُ وَسَيَحْلِفُونَ بِاللَّهِ لَوِ اسْتَطَعْنَا لَخَرَجْنَا مَعَكُمْ يُهْلِكُونَ أَنْفُسَهُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ﴾ التوبة: 42. فالحركة إذن وجهازها تسد الأبواب لأي نقد يوجه لمنهجها في التحرك (وهو بالمناسبة ليس الدين ذاته كما يتخيل البعض) وفي الوقت نفسه تفتح الأبواب مشرعة لنقد الفرد والمجتمع والدولة: فالفرد مقصر في التزامه وانضباطه وقوة إيمانه ومقبل على الدنيا ومدبر عن الآخرة وضعيف في قيامه بالفرائض والنوافل.

أما المجتمع فتؤكد الحركة انحرافاته العامة وأحيانا في صورة مبالغ فيها وتضخم أخطاءه تُنَظَّر (بالضم) لمفاصلته كما فعل المرحوم سيد قطب في كتاب معالم في الطريق أما الدولة فهي المسؤولة عن ذلك. كله كما يقول الجهاز التبريري للحركة وتنتهي عمليه التبرير إلى تبرئة الحركة وتجريم العالم وهذا برأيي أسلوب غير صحيح وغير مجد في التعامل مع إخفاقات الحركة وهي كثيرة حقيقة حقيقة الأمر أن الحركة الإسلامية غارقة حتى أذنيها في متابعة مشاكلها اليومية وهي مشاكل لا علاقة لها بأي برنامج مستقبلي أو حتى مشروع برنامج قابل للنقاش العلمي الموضوعي، وهذا العجز بالإمكان تفسيره على أنه عجز في قيادة الحركة بالأساس.

للمزيد انظر: غياب التفكير المنهجي

خطاب الحركة: أين سيكون العالم سنة ألفين؟

فهمي للحركة الإسلامية أنها محلية وعالمية في الوقت ذاته: محلية تكيف خطابها الإسلامي ليناسب هموم الإقليم والقطر من أجل قيام مجتمع يتمكن فيه التدين بوجه فعال، وهي من وراء ذلك جزء من حركـة الإسلام في العالم فهي أيضا ذات هم إسلامي عالمي تدرك واجب الموالاة والتناصر بين المسلمين كافة. تأسيسا على ذلك (وبالأخص عالمية الحركة) نقول إنه بات من الواضح وجود أربعة اتجاهات تقود الكرة الأرضية إلى كارثة: التلوث البيئي واستنفاد الموارد الطبيعية والانفجار السكاني وتطور الأسلحة الكيميائية والبيولوجية.

ويؤكد الأستاذ زياد الدين سردار في ورقة له نشرها في مجلة (المسلم المعاصر) أن هناك أربعة اتجاهات عالمية لا تزال مستمرة في تغيير مجتمعاتها البشرية هي: التمدن والبطالة والهوة بين الأغنياء والفقراء وتطور وسائل النقل والاتصال، وثمة قائمة من الحقائق التي يجب على الحركة الإسلامية أن تضعها أمام عينيها وهي تشرع في صياغة خطابها الاجتماعي للعالم: إن أكثر الأشياء التي تؤدي إلى تلوث العالم هو النظام الاقتصادي الغربي الذي يتسم بالتبديد والاستنزاف لموارد كوكب الأرض. والسكان فوق الأرض يتزايدون في العالم بنسبة 2 بالمائة سنويا ويتضاعفون كل 35 عاما. هذا التزايد الهائل والسريع في السكان يعني مزيدا من المجاعات والتلوث والفوضى الاجتماعية وارتفاع معدلات الوفاة بسبب انتشار الأمراض المعدية والمزمنة.

للمزيد انظر: ركنية الحوار وأساسيته وتحديد المضغة الاجتماعية

وقد تحدث كارثة خطيرة في شكل إبادة ذرية، فإن مخزون بعض الدول من الأسلحة الذرية يستطيع تدمير الأرض مرات عديدة. من الناحية الاقتصادية نجد أن الكرة الأرضية تنقسم إلى جزءين: أحدهما فني ومصنع والآخر فقير ومتخلف (ومعظمه إسلامي المعتقد). أحدهما مثقف ومتعلم وذو مهارة والآخر تغلب عليه الأمية ويفتقر إلى المهارة (ومعظمه إسلامي المعتقد). أحدهما يحصل من الغذاء ما يزيد عن حاجته والآخر يعاني من المجاعات وسوء التغذية (ومعظمه إسلامي المعتقد) أحدهما غني ويتجه نحو الاستهلاك والآخر فقير كل ما يعنيه الحفاظ على النوع. هذه الهوة بين الجزء الفقير من الأرض والجزء الغني تتسع باستمرار. إن ازدياد الظلم بالنسبة إلى توزيع الثروة في العالم من الممكن أن يؤدي إلى العنف والحروب.

للمزيد انظر: ماذا ستفعل الحركة بجموعها الكبيرة؟

إن الشعوب المظلومة الجائعة في الكرة الأرضية - ومعظمها إسلامية المعتقد - تمثل معظم الجنس البشري وقد تلجأ في يوم من الأيام إلى وسائل يائسة لتقويم الاختلال الظالم بالنسبة إلى توزيع الثروة. لعل أشهر الدراسات التي أقيمت تحت رعاية (نادي روما) حول حالة البشرية - خلال المائتي عام الُمقبلة حيث حدد فريق البحث احتمالات المستقبل فيما يلي: [1] لا يوجد احتمال لإحراز التقدم التكنولوجي والثقافي في المائة عام المقبلة بما يكفي لإمداد 24 مليار نسمة على الكرة الأرضية بأسباب الحياة. [2] لا يوجد احتمال لرفع مستوى المعيشة للأغلبية الكبيرة لهؤلاء الناس الذين يعيشون في الدول النامية (معظمها إسلامية) لمساواتهم معيشيا مع مجتمعات الدول الصناعية [3] يوجد احتمال كبير لأن تشهد الدول الغربية تدهورا واضحا في مستوى معيشتها المادي خلال الثلاثة أو الأربعة عقود المقبلة، وفي التقرير الثاني لنادي روما تحت عنوان: (البشرية في نقطة التحول) يوصي النادي بأنه يجب تبني أسلوب جديد ومختلف لنمو المجتمعات: وإن الأسلوب الحالي المتبع في الغرب (الرأسمالي) هو أسلوب فاشل ويقود إلى مخاطر عالمية.

وأصدرت جامعة سوسكس SUSSEX في جنوب إنكلترا دراسة نقدية لتقرير نادي روما تقول فيها: "إن مستقبل الدول النامية لا يكمن في اتباع نموذج التطور الغربي الرأسمالي الذي نستطيع رفضه باطمئنان بعد 30 عاما من الدراسة له باعتباره فشلا تاما، ولكنه يمكن في تقريرها لمستقبلها بنفسها وتطويرها خطة للحضارة خاصة بها وذلك العمل سوف يتطلب تغييرا كاملا وجزئيا للاتجاهات الحالية في الدول النامية".

هذا هو العالم الذي يحيط بالحركة الإسلامية من الآن وعبر المستقبل، فماذا أعدت له؟ وكيف ستحافظ الحركة الإسلامية على بقائها حية متحركة على ضوء احتكاكها بظروف خطيرة ومدببة كهذه التي أشار إليها تقرير نادي روما؟ وهل لدى الحركة الإسلامية خطة لحضارة خاصة بنا تشكل لنا برنامجا تتحرك ضمنه في العقود المقبلة؟ تلكم المحاور التي ينبغي أن يدور حولها خطاب الحركة الإسلامية وغيرها من الحركات الناشطة في وطننا العربي والإسلامي.

للمزيد انظر: ضرورة فك الاشتباك بين الدين والتنظيم

الحركة الإسلامية - ثغرات في الطريق (5)

للاطلاع على الكتاب بأكمله:

https://asmaanawar.pse.is/5wzr8h