يوليو 19, 2024

|

بواسطة: asmaa

|

Categories: قلم يقرأ

الحركة الإسلامية - ثغرات في الطريق (7)

أسماء راغب نوار | الحركة الإسلامية - ثغرات في الطريق (7)

بقلم: دكتور/ عبدالله النفيسي - أستاذ العلوم السياسية

الحركة الإسلامية - ثغرات في الطريق (7)

حول الوعي الحقوقي لدى أبناء الحركة الإسلامية
جذور الأزمة النموذج التاريخي والمنظور إليه:
ذكرنا الخميس الفارط أن التاريخ الفكري في الإسلام مر بمرحلتين: الأولى برزت فيها (قوة البرهان) والثانية انتفش فيها (سوط السلطان). في الأولى سادت الحقوق العامة والحريات العامة والسلطات العامة وكانت الحياة العامة قريبة من النموذج الذي ابتغاه الإسلام وأسس له رسول الله صلى الله عليه وسلم في (دولة (المدينة) و(الصحيفة). وفي المرحلة الثانية تراجع خط الصعود بفعل عوامل كثيرة ليس هنا المجال المناسب للخوض فيها، فجاءت مواصفات المرحلة منافية للحقوق العامة والحريات العامة ومكرسة للسلطة الخاصة المطلقة وغير المقيدة وتحولت الخلافة الإسلامية التي كانت في المرحلة الأولى (عقد مراضاة واختيار لا يدخله إكراه ولا إجبار) كما قال الماوردي والفراء ومالك، وغيرهم، أقول تحولت إلى (ملك عضوض) كلما (مات هرقل قام هرقل آخر) كما قال عبد الرحمن بن أبي بكر المروان بن الحكم.
ومن المؤسف أن تدريس التاريخ الإسلامي والعربي الذي تلقيناه في المدارس والجامعات لم يكن (موضوعيا) في اتجاهه العام. ويبدو أن ثمة عوامل عديدة أفضت إلى ذلك منها - أننا كأمة - نعيش مرحلة هزيمة تاريخية وتبعية مغالية (لدول القلب) باعتبارنا ضمن منظومة (دول الأطراف) والأمم المهزومة تدمن عملية (رد الاعتبار) وتطرب لها، ولذا يكثر الحديث عن (الأمجاد الغابرة) ويتم غض الطرف عادة في هذه الحالة عن كل ما يشوش الصورة المطلوبة. من هنا أستطيع القول إن دروس التاريخ التي تلقيناها في المدارس بالأخص كانت ضربا من ضروب الدعاية القومية التي وقفت من التاريخ الإسلامي العربي موقفا انتقائيا تجزيئيا: فما أعجبنا من تاريخنا أبرزناه وما لم يحقق ذلك تجاهلناه، ثم صدقنا الكذبة ودرجنا ندرس التاريخ الإسلامي والعربي في السنوات الأخيرة من خلال رصه في كيس واحد وتوغلنا كثيرا - كلما تكالبت علينا الأمم- في عملية ( رد الاعتبار) وهي عملية متواصلة من الادعاء في تفسير التاريخ والانتقائية في النظر لأحداثه إلى أن ينتهي بنا الأمر لتصديق أوهامنا وأحلامنا وأشواقنا على أنها حقيقة واقعة.
والحركة الإسلامية قطاع بشري تعرض لما تعرضت له الأمة بكاملها من مسخ وتشويه في فهم التاريخ والموقف منه، فجاء فهمها لتاريخ الإسلام والعرب انتقائيا مجزأ ما أعجبها منه أبرزته وما لم يعجبها تجاهلته، ولذا من يتابع (الكتاب التاريخي) الذي تنتجه (المطبعة الإسلامية) لا يجد المادة العلمية الرصينة التي تتناغم مع روح العصر العملية وزوايا اهتماماته.

للمزيد انظر: غياب التفكير المنهجي

الانعكاس المرئي: المنهاج الثقافي والعلاقات الداخلية
بعد أن تشعبت الحركة الإسلامية - على اعتبار أنها قطاع من الجمهور العربي الإسلامي - بالمفهوم السائد للتاريخ الإسلامي العربي تشكل وتكون لديها حسن المغالاة في تنقية التاريخ وتبسيطه ورصه في كيس واحد.
وأزعم أن الأمر بات لا يخلو من عمى الألوان، ودخل في السنوات الأخيرة (البعد الطائفي) في الموضوع، فعقد المعضلة وفرعها، وصار انتقاد (بني أمية) من الأمور التي تندرج - في معيارية الحركة الإسلامية الموجودة في الوطن العربي - تحت بند (الخطر الطائفي). لا بل - وكردة فعل غير مدروسة على الإطلاق - شرعت بعض الأقلام الأكاديمية المنتمية للحركة الإسلامية لإعادة تفسير سقوط الدولة العثمانية وتوغلت في الدفاع عن سلاطينها وتبرع (كفاعل خير) المسلمون المعاصرون في طباعة وترويج (مذكرات السلطان عبد الحميد) وتم تناسي كل سوءات العثمانيين ودمويتهم وظلمهم وضيق أفق إدارتهم السياسية واستهتارهم بالدساتير والحريات العامة والحقوق العامة ثم تناسى كل ذلك خلال الشوق لرد الاعتبار للأمة الإسلامية على أساس أن العثمانيين كانوا محط الخلافة إلى 1924.

في هذا الجو المترع بالمرارة والهزيمة نشأت التشكيلات الأولى لكبرى الحركات الإسلامية المعاصرة أي الإخوان المسلمون 1928 بعد سقوط الخلافة العثمانية بأربع سنين لا أكثر ووضع المنهاج الثقافي للحركة ليس في إطار (إعادة بناء الاتجاه الإسلامي وتكوينه ثقافيًا وأيديولوجي) ولكن في إطار (إعادة الثقة للاتجاه الإسلامي بنفسه في مواجهة الظروف المستجدة التي عقبت سقوط الخلافة العثمانية) وقد كانت ظروفا شائكة للغاية في تطاولها على الإسلام وشريعته ومؤسساته كالأزهر والزيتونة والقرويين. ولأن المنهاج الثقافي للحركة الإسلامية يبتغيا إعادة الثقة في المسلم أكثر من تكوينه ثقافيا وأيديولوجيا، نجد ثمة تجاهلا فيه لقضية الحقوق العامة والحريات العامة والتطور الدستوري والسلطوي، مقابل التركيز والاهتمام المكثف على بناء الروح وعالم الروح). يذكر حسن البنا رحمه الله وأسكنه فسيح الجنان في مذكرات الدعوة والداعية ص (24) أنه وإخوانه كانوا يمشون على الأقدام من دمنهور إلى دسوق (حوالي عشرين كيلومترا) وذلك لزيارة (ولي من الأولياء وضريح من الأضرحة). كان التركيز إذن على بناء الروح وإعادة الثقة بالنفس الإسلامية بعد هزيمة سقوط الخلافة، ومن المؤسف أن المنهاج الثقافي داخل الحركة لم يتغير أو يتطور كيما يتواءم معا للمستجدات الهائلة التي ظهرت في الساحة (ثورة 1952، تأميم القناة 1955 - 1965 ، حرب بور سعيد 1956 ، قيام الوحدة بين مصر وسوريا 1958 ، الانفصال 1961 ، الإجراءات الاشتراكية والميثاق 1963 - 1965 ، هزيمة حزيران 1967 وفاة عبد الناصر 1970 حرب رمضان 1973، كمب ديفيد 1977، اغتيال السادات 1981) هذه أحداث كبيرة في أهميتها ودلالاتها لا نجد لها صدى على الإطلاق في المنهاج الثقافي والتربوي للحركة وكأن الأخيرة لا علاقة لها بالمحيط السياسي والاجتماعي، واستمر المنهاج الثقافي للحركة وما زال يركز على الروح وإعادة الثقة في النفس الإسلامية حتى شبعت ثقة بل زاد كيلها دون مادة تحقق رفع كفاية المسلم المنتمي للعالم المعاصر فجاء خطاب الأخير للمجتمعات المعاصرة منبتا عن الواقع حالما في الماضوية غريبا في الشكل والمضمون ولأن المنهاج الثقافي للحركة الإسلامية المعاصرة (الإخوان - السلف - الجهاد - جماعة المسلمين وغيرهم) لم يزل بحاجة إلى التطور ويعكس قضايا تاريخية في الأعم نجد أن تواصلهم مع تفرعات قضايا العصر وتشابكاتها ضعيف ووعيهم لمستجداتها ومصطلحاتها أضعف للأسباب التي ذكرنا لا لضعف في قدراتهم الذهنية والإبداعية، ولذا فإعادة النظر في المنهاج الثقافي المتبني في تنظيمات الحركة جدير بحل هذه الإشكالية وإن الإرشاد السياسي والاجتماعي والتاريخي والحضاري كفيل برفع كفاية المسلم المنتمي في وعي العصر وبالتالي الفعل والتأثير فيه كما ينبغي.

انعكست هذه المشكلة (غياب الوعي بالحقوق العامة للأفراد حتى على (نظم ولوائح) تنظيمات الحركة الإسلامية للأسف، نجد كمثال في (النظام العام للإخوان المسلمين) المعمول به الآن والمعتمد رسميا من التنظيم في 9 شوال 1402هـ الموافق 29 تموز 1982 وفي الباب الثالث بالذات حيث شروط العضوية هناك تركيز تام ومكثف لحقوق التنظيم على العضو وتجاهل لحقوق العضو على التنظيم، طبعا هذه قضية لا تستعصي على الحل إن شاء الله وبالإمكان تضمين (النظام العام) وفي نفس الباب بعض المواد التي تعني بحقوق العضو على التنظيم في حالة تعرضه لما يمكن اعتباره انتهاكا لحقوقه. وقد ذكرت ذلك كمثال على انعكاس المشكلة على (العلاقة الداخلية) في تنظيمات الحركة الإسلامية. خطورة الإنسان الذي لا يعي حقوقه تكمن في أنه لن لا يعي حقوق الآخرين وبالتالي قد تصدر منه كثير من التصرفات المنتهكة لحقوق الآخرين وخطورة الحركة التي لا تعي حقوق أفرادها تكمن في أنها لن تعي حقوق المجتمع الأوسع الذي يحيط بها وبالتالي من المتوقع أن تصدر منها كثير من السلوكيات السياسية التي فيها انتهاك للحقوق العامة في المجتمع الأوسع.

نظرًا للأسباب المذكورة آنفا التاريخية والسياسية الموضوعية والذاتية المركزة في تشكيل العقل المسلم نجد أن موقف الحركة الإسلامية المعاصرة من المنظمات والهيئات الدولية والقومية العاملة في مجال حقوق الإنسان يتسم بالجدية. فهناك (منظمة العفو الدولية) و(المنظمة العربية لحقوق الإنسان) وشبكة من الروابط المتعددة العاملة في نفس المجال ومن الملاحظ أن معظم المنظمات السياسية والأحزاب والحركات والجماعات العاملة في أنحاء العالم حريصة على التواصل مع (المنظمات الحقوقية) وحريصة على عرض مظالمها لتتبناها تلك المنظمات، غير أننا لا نلمس حرصا من الحركة الإسلامية في الاستفادة من هذا المجال، بل العكس نلحظ موقفا سلبيا من بعض تنظيمات الحركة الإسلامية إذ خرج علينا البعض بمقولة إن المطالبة بحقوق الإنسان دعوة أميركية مشبوهة ينبغي الحذر والحيطة منها، وقال آخرون أنهم مستعدون للتعاون فقط في الدفاع عن حقوق الإسلاميين ولا يرون (شرعية) الدفاع عن حقوق غيرهم. من جهة أخرى نجد أن الأحزاب العلمانية والقومية واليسارية والشيوعية تتواصل مع منظمات الدفاع عن حقوق الإنسان في كل القارات وخاصة الجنوبية (إفريقيا وأميركا الجنوبية وآسيا) بينما لا نجد من الإسلاميين عموما اهتماما كافيا لاستثمار هذا المجال سياسيا برغم الاستبداد والاضطهاد الذي يتعرضون له في أكثر الأقطار الناشطين فيها، ولا بد أن نفهم هذا الموقف من الحركة الإسلامية إزاء منظمات حقوق الإنسان في إطار الجذر الفكري للأزمة المربوط بالمنظور التاريخي والنموذج الذي ساد فيه مرورا بسقوط الخلافة 1924 وما تلاه من أحداث جرحت هيبة الإسلام والمسلمين.

لقد استطاعت الحركة الوطنية في جنوب إفريقيا أن تتواصل مع منظمات حقوق الإنسان (وبالأخص منظمة العفو الدولية فجعلت من رمزها نيلسون مانديلا بطلا عالميا في الأسر وتحركت تلك المنظمات توزع صوره وتشرح قضيته وتطبع خطبه وتدعو لنصرته حتى ذاع ذلك في الآفاق فاضطربت حكومة جنوب إفريقيا للتراجع كثير مما قد رسمته لنفسها تجاة مانديلا وكسب الأخير الجولة السياسية برغم كونه سجينا في زنزانة. لو حرصت الحركة الإسلامية على التواصل مع منظمات حقوق الإنسان لتمكنت من نصرة سجنائها ومعتقليها والتخفيف عنهم على الأقل ولتمكنت من عرض قضيتها العادلة ولجعلت من شعاراتها حركة إنسانية تلهج بها الأمة من نواكشوط إلى جاكرتا أي على امتداد العالم الإسلامي.

خلاصة ما نريد أن نذهب إليه أن الوعي الحقوقي لدى أبناء الحركة الإسلامية بحاجة ماسة للعناية بتنميته ورعايته عبر برامج مكثفة من الإرشاد السياسي والاجتماعي والفكري الذي قد - مع الإشراف الصحيح - يتبلور في مؤسسات رديفة للحركة تعمل على رعاية الحقوق العامة في المجتمع الأوسع، إن بروز هذا الوجه الحضاري في فعاليات الحركة من شأنه أن يدفع عدة جهات في هذا العالم لإعادة النظر في موضوع التواصل مع الحركة الإسلامية الذي سيكون له في رأينا فوائد جمة لأي عمل إسلامي في المستقبل.

للمزيد انظر: ركنية الحوار وأساسيته وتحديد المضغة الاجتماعية

الحركة الإسلامية - ثغرات في الطريق (7)

قيادة الحركة رمزية .. مرهقة .. بطريركية .. ومعظمها من الحرس القديم
نظريات في القيادة:
نظرا لأهمية موضوع القيادة) والزعامة والرئاسة) فلقد تناوله معظم العلماء في شتى ميادين المعرفة بالبحث والتحليل. فأفلاطون في كتابه (الجمهورية) قسم المجتمع إلى ثلاث طبقات (أهل الذهب وأهل الفضة وأهل الحديد) أي الطبقة الحاكمة القائدة والطبقة الحارسة المقاتلة والطبقة العاملة المنتجة للغذاء.
ولقد شرح أفلاطون في كتابه المذكور مواصفات الطبقات الثلاث وركز على الأولى التي وصفها بـ«الملوك الفلاسفة». وتناول الموضوع أيضا في كتاباته أرسطو وخاصة في كتابه (الخطابة) إذ كانت الموهبة في الخطابة مربوطة لديه بموهبة القيادة أيضا. نجد أرسطو في تصديه لموضوع الخطابة (القيادة) يركز على ثلاث زوايا للموضوع: ما يتصل بالقائد كشخص وسلوك وما يتصل بقاعدة المتعاملين معه وما يتصل بالخطاب الذي بينهما. ومن المفكرين في حضارة الإسلام الذين اعتنوا بتفسير ظاهرة القيادة يبرز اسم الفارابي (783 - 951م) واسم ابن خلدون (1332 - 1406م). فالأول تناول الموضوع في كتابه الثمين (المدينة الفاضلة) والثاني في كتابه الشهير (المقدمة). يؤكد الفارابي على السمات الشخصية التي يتصف بها (القائد والزعيم) ويلخصها في اثنتي عشرة نقطة (سمة) من المهم أن نذكر منها ونحن نتطرق لموضوع القيادة في الحركة الإسلامية ثلاث سمات (أن يكون القائد جيد الفهم والتصور، وأن يكون محبا للتعليم والاستفادة، وأن يكون عدلا غير صعب القيادة ولا جموحها ولا لجوجا إذا دعى إلى العدل). وأما ابن خلدون فنجده ـ- بعبقرية - يربط بين المناخ الجغرافي ومستوى الخصب أو القفر في القطر وطراز الحكم السائد ومستوى التطور الاجتماعي الذي بلغه المجتمع، أقول يربط كل ذلك طراز الشخصية السائد في المجتمع والقيادة التي تنشأ في تلك الشبكة من الظروف الزمانية والمكانية. ويؤكد ابن خلدون خلال كل ذلك أن القهر والسطوة والإخافة تؤدي إلى تكاسل في النفوس وضعف فيها. هذا وقد صاغ العلماء خمس نظريات أساسية لتفسير ظاهرة القيادة (النظرية الوظيفية والنظرية الموقفية والنظرية التفاعلية ونظرية القائد العظيم). تؤكد النظرية الوظيفية على أن القيادة وظيفة تنظيمية غايتها القيام بالوظائف الاجتماعية التي تحقق أهداف الجماعة) وتعدد النظرية الوظيفية المهام المنوطة بشخص القائد وتلخصها بعشر وظائف التخطيط ووضع السياسة والإيحاء الأيديولوجي والخبرة والإدارة التنفيذية والوساطة والثواب والعقاب والقدوة والرمز وصورة الأب). أما النظرية الموقفية فتؤكد أن القائد الذي يصلح لأمة من الأمم في موقف الحرب قد لا يصلح وقف السلم. أما النظرية التفاعلية فتؤكد أن القيادة لا تنجح إلا من خلال (تفاعل المتغيرات الرئيسية) والتي هي (القائد نفسه والاتباع بشتى اتجاهاتهم والجماعة من حيث هي علاقات وخصائص وأهداف وديناميات وأخيرا الموقف العام). وأما (نظرية السمات) فيؤكد صاحبها على أن توافر بعض السمات الجسمية والانفعالية والاجتماعية والمعرفية في بعض الشخصيات توفر لهم صفة القيادة والزعامة. وأخيرا تؤكد نظرية (القائد العظيم) أن هناك رجالا عظماء يولدون بموهبة القيادة والزعامة. ويحصر العلماء وعلى رأسهم (جيب) صفات القائد الناجح بما يأتي: توافر الطموح والدافع الكفاءة واللياقة البدنية، النظر إلى الكليات دون التفاصيل الجزئية والمظهر الشخصي اللائق والقدرة على الإقناع والقدرة على تحليل المشكلة لعناصرها الأولية والرغبة في مساعدة الآخرين والقدرة على التعليم والاستفادة والتدريب والبصر الثاقب والذكاء العام والمبادأة ونزعة التعاون والمقدرة اللفظية والتعبيرية وتنمية العلاقات الإنسانية والنضج الانفعالي وتفهم العمل - ومسؤولياته. (انظر د. عطوف ياسين. مدخل في علم النفس الاجتماعي).
إذن من الواضح أن موضوع القيادة والزعامة والرئاسة) قد استقطب اهتمام العلماء والمؤرخين في شتى التخصصات وعبر مراحل التاريخ وذلك لأهميته وخطورته ومركزية تأثيره على شأن الجماعات الإنسانية. ليس إذن تطرقنا للموضوع بدعا من القول وقد تطرق له من تطرق من العلماء الأفذاذ في تاريخ البشرية وتاريخ الإسلام والذين ذكرناهم في الفقرات السابقة.

للمزيد انظر: ماذا ستفعل الحركة بجموعها الكبيرة؟

القيادة في الحركة الإسلامية ونمو النزعة المازوكية:
خلال هذه السلسلة من المقالات المختصرة والمكثفة المحركة المنشطة للحوار - لا أكثر - والتي نتطرق فيها للثغرات في طريق الحركة الإسلامية، نعتقد بأن موضوع (القيادة) - أي قيادة الحركة الإسلامية بمواصفاتها التاريخية والحالية - هي سبب رئيسي في إفراز هذه الثغرات وتكريسها وتجذيرها وتكثيفها وتفريعها وتشريطها في جسم الحركة الإسلامية ولقد ساهمت - لا شك - ظروف المحنة التي تعرضت لها الحركة الإسلامية في طول العالم العربي الإسلامي وعرضه في تعقيد إشكالية القيادة وإعاقة جهود الإصلاح الداخلي) في الحركة إذ كلما اشتد لهيب المحن تغيبت الظروف الموضوعية للتوازن الداخلي وفتح الباب على مصراعيه لاتجاهات الغلو والتطرف، وهذا أمر قد تكرر في أكثر من جماعة عقائدية. لقد انعكس (جو المحنة على تكوين القيادة في الحركة وتشكيلها وارتبطت قيادة الحركة من حيث هي (رمز) بالمحنة (المطاردة والتشريد والاعتقال والمحاكمة والذبح) وتألفت روح القيادة في الحركة الإسلامية ومنهج تفكيرها مع مهام (المقاومة الروحية والعقائدية النفسية للطاغوت) لدرجة أنها باتت غير قادرة على التفكير الإيجابي المنهجي المنزوع السلاح) في ظل ظروف طبيعية من السلم والحرية. وربما هو هذا ما كان يبتغيه أعداء الحركة الإسلامية أي (شل قدرتها على التفكير المنهجي ذي المدى البعيد) عبر حملات القمع والاضطهاد الشرس. ومن المهم أن تدرك الحركة الإسلامية أن القيادة التي تصلح لأجواء الانفراج والتواصل السياسي مع المجتمع الأوسع. من هنا نقول إن مواصفات القيادة في ظل الأزمة والمحنة لا تتطابق بالضرورة مع مواصفاتها في المجتمع الذي يؤمن بالتعددية السياسية والمزاحمة العقائدية والفكرية وفي إطار من الحماية الرسمية للحقوق المدنية (النظرية الموقفية). ومع ذلك نجد أن قواعد الحركة الإسلامية (متعلقة نفسيا) بأجواء المحنة حتى لو انقشعت، وصارت القيادة تشجع هذه النزعة في القواعد من باب (التعبئة المعنوية) و (رص الصفوف) فتجد مجموعة من الشباب المعافى يجتمع حول طعام رهيف في غرفة مكيفة آمنة ووثيرة حديثهم في أوله وآخره عن (المحنة). هذه النزعة (المازوكية) لدى أبناء الحركة تشجعها القيادة لأنها تعطل النظرة النقدية وتغرق أبناء الحركة في بحر التعاطف والتغاضي والتناسي.

للمزيد انظر: ضرورة فك الاشتباك بين الدين والتنظيم

وفي غياب المعايير الموضوعية للنظر إلى القيادة وفحص أدائها السياسي والتنظيمي، وخلال غلبة الأجواء العاطفية والانفعالية عند مشاهدة الحركة ورموزها أو السماع لهم يصبح التعلق بالأشخاص أوضح من التعلق بالمشروع العام للحركة والانحياز للحزب) أبرز من الانحياز (للأمة).
العقيد صلاح شادي أحد قادة (النظام الخاص) في جماعة الإخوان يعلق على مقتل مؤسس الجماعة حسن البنا رحمه الله في 12 / 2/ 1949 فيقول عن البنا التالي: (لم يكن فقط إشعاعه نور على طريق الحق نبصر بها خطونا، وإنما كان المحور الذي تبلورت عليه أمالنا للوصول بالحركة الإسلامية إلى هدفها الصحيح، كانت حياتنا بعض أنفاسه وصحونا من صحوه وحركتنا من خطوه. فلما اختاره الله إلى جواره توقف إدراكنا لمسيرتنا، إلى أين نسير؟ وكيف نمضي بعده). انظر صفحات من التاريخ ص 70، هذا نص خطير من حيث دلالاته الفعلية والتنظيمية والفكرية والسياسية خاصة أن الذي كتبه رجل عسكري يقيس الكلمة قياسا صارما. وأخطر ما في هذا النص أنه يؤكد على أن القيادة في مفهوم الإخوان هي شخص أكثر منها مؤسسة شخص ينتهي وتكون معه نهاية قيادة ولا بد من شخص آخر فيه سمات قيادية لتكون معه بداية قيادة جديدة. هذا المفهوم الشخصاني للقيادة قد عانت منه كل التشكيلات العقائدية في العالم الثالث سواء كانت الإسلامية منها أو غير الإسلامية: إنه مفهوم للقيادة يسود حيث يفشو التخلف وتزين مناخاته. وأخطر ما في هذا المفهوم من آثار هو ربط المشروع العام للحركة - أية حركة - بشخص القائد أو الزعيم. ربما كان الكلام الذي ذكره صلاح شادي رحمه الله يعكس تعلق التلميذ بأستاذه أو المريد بالشيخ و(الوتد) كما يقول الصوفية، وليس في ذلك - وفي هذا الإطار - ما يعيب، لكني - ومن خلال تتبع آثار اغتيال البنا رحمه الله على الجماعة عموما وعلى أدائها - أرى في هذا النص - وغيره كثير من مصادر الإخوان - مشكلة كبرى تتعلق بمفاهيم الإخوان حول موضوع القيادة وأثر ذلك على وعيهم لضخامة المشروع العام الذي تبشر به الجماعة. وفي يقيني أن البنا رحمه الله لم ينتبه بما فيه الكفاية لهذه الإشكالية الخطيرة التي واجهت الجماعة بعد مقتله ولم يضع الاحتياطات المطلوبة (المفاهيمية والمؤسسية والتربوية والإدارية لتجنبها. لذلك ظلت جماعة الإخوان بدون قيادة ما بين مقتل البنا في 2/12/ 1949 حتى 19/ 10/ 1951 عندما تسلم حسن الهضيبي رحمه الله قيادة الجماعة في ظروف عبوسه أي أن الإخوان ظلوا بلا قيادة ولا توجيه (بعد مقتل البنا) لمدة تقارب الثلاث سنوات وهذا في حد ذاته يؤكد على أن مفهوم الإخوان للقيادة بحاجة إلى مراجعة في اتجاه تحويل القيادة من شكلها الشخصاني الفردي الحالي المرتبط بشخص (المرشد) إلى شكلها المؤسسي الجماعي والتي تستمر في مهامها متجاوزة أحداثا متوقعة كمقتل البنا رحمه الله أو غيره.

للمزيد انظر: عوامل الضعف في خطاب الحركة الاجتماعي

ويبدو من خلال استقراء موضوع القيادة في جماعة الإخوان أن الجماعة تتبنى - من حيث تدري أو لا تدري – (نظرية الرجل العظيم) في تفسير ظاهرة القيادة وهي نظرية تؤكد على أن البعض من الرجال يولدون بموهبة القيادة ولذا من العبث انتقادهم وربما من قلة العلم الحديث عن (كبواتهم). من أجل ذلك لا نجد كتابا أو مقالا أو دراسة أو بحثا أو محاضرة تتبناها الجماعة وفيها شيء من الانتقاد أو التصويب أو التصحيح لبعض من الخطوات أو القرارات أو السياسات التي تبنتها قيادة الجماعة في مرحلة من مراحل تطورها هذا الكبح للنقد الذاتي مربوط لا شك بمفاهيم الحركة للقيادة وما يتبعها من مفاهيم الطاعة والإمارة والولاء والبيعة وهذا ما سوف نبحثه في الخميس المقبل إن كتب الله في العمر فسحة.
الحركة الإسلامية - ثغرات في الطريق (7)
للمزيد انظر: ثغرة في خطاب البنا رحمه الله

 

للاطلاع على الكتاب بأكمله:

https://asmaanawar.pse.is/5wzr8h