يوليو 18, 2023

|

بواسطة: asmaa

|

Tags: التربية, الحياة

|

Categories: قلم يفكر

كيف تتعامل مع ابنك الانطوائي (1)

أسماء راغب نوار | كيف تتعامل مع ابنك الانطوائي (1)

 

لا أدري لو أن أبي – رحمه الله-  كان على علم بما توصل إليه علم النفس والتربية في طريقة التعامل مع الطفل الانطوائي عندما كان يتعامل معي، فأذكر أنه كان يأخذ بيدي عندما يزورنا ضيوف لأسلم عليهم، وقد كان ذلك من أصعب المواقف عليّ في طفولتي إذ كنت أدور على ذاتي وأستشعر خفقان قلبي حتى الموت لولا دعم أبي لي عندما كان يقول لي بنبرة تُشعرني بالأمان وأنا أمسك فيه بإحكام: "سلمي على عمك فلان"، وكنت أستشعر بعدها أنني قمت بمهمة صعبة استهلكت جُل طاقتي، الأمر الذي كان يلاحظه أبي فيضمني إليه كنوعٍ من المكافأة على أداء تلك المهمة؛ لذلك كنت أتمنى ألا أخرج من حجرتي ريثما تنتهي زيارة أي زائر، ولكنها كانت مع الأسف مجرد أمنيات لم تتحقق.

ولا يسعني اليوم إلا أن أترحم على أبي عندما أقرأ نصائح وإرشادات علماء النفس والتربية لآباء وأمهات الطفل الانطوائي تلك التي وردت في كتاب: "الهدوء، قوة الانطوائيين في عالم لا يتوقف عن الكلام" حيث يقولون: إذا وجدت طفلك يعترض على تجريب أي شيء جديد بالنسبة له أو مقابلة أشخاص لم يسبق له التعرف إليهم، فاعرض عليه ما استجد تدريجيًّا. ولا تدعه يُؤثر عدم المشاركة، فلتحترم حدوده ولو أنها مبالغٌ فيها. وتعرَّف معه تدريجيًّا على الشيء الذي يتحفظ تجاهه.

ولتجعله يدرك أنك معجب بجهوده عندما يخوض مغامرات اجتماعية كأن تقول له: «رأيتك مع زملاء جدد بالأمس. أعلم أن هذا الأمر قد يكون صعًبا عليك، لكنني فخور بك». وعندما يفرغ من الاستمتاع بالأشياء التي كان يعتقد أنه لا يرغب فيها أو كان يخشاها في البداية، اجذب انتباهه إلى أنه قد استمتع بها. وأخيًرا سيتعلم كيف يضبط مشاعره ومخاوفه بنفسه.

لكن ما معنى الانطوائية والانبساطية؟

لاحظ عالم النفس كارل يونج صاحب كتاب "أنماط الشخصية" psychological Types أن هناك نوعين من تركيب الشخصية: الانطواء introversion والانبساط extroversion وأن الشخصية الانطوائية تميل إلى التوجه للعالم الداخلي من الأفكار والمشاعر، بينما يتجه الانبساطي إلى الحياة الخارجية ممثلةً في الناس والأنشطة. ويركز الانطوائي على المغزى والقصد المرتبطين بالأحداث التي تجري حوله، في حين أننا نجد الانبساطي ينغمس في الأحداث نفسها. ويقوم الانطوائي بإعادة شحن وشحذ طاقته عن طريق الانفراد بنفسه، وعلى الجانب الآخر نجد الانبساطي يستشعر حاجته لإعادة شحذ طاقته عندما يرى أنه لا يقيم علاقات اجتماعية بالقدر الكافي.

ولا يزال علماء النفس حتى اليوم أقرب للاتفاق حول بضع نقاط مهمة: منها على سبيل المثال أن الانطوائيين والانبساطيين يختلفون في مستوى التحفيز أو الاستثارة الخارجية التي تلزمهم لأداء الأمور على نحو يتسم بالكفاءة.

فنرى الانطوائي يشعر بأنه «على أحسن ما يكون» في ظل مستوى تحفيز أقل، بينما يحتسي مشروبًا مع أحد الأصدقاء المقربين، أو يحل أحد ألغاز الكلمات المتقاطعة، أو يطالع كتابًا. وعلى الجانب الآخر نرى الشخص الانبساطي يستمتع بالمزيد من النشاط والحيوية المصاحبين لأنشطة من قبيل لقاء أشخاص جدد، أو القيام بمغامرات كالتزحلق على المنحدرات الجليدية، ورفع صوت جهاز الاستيريو (مجسم الصوت).

كما يتفق الكثيرون من علماء النفس على أن كًّلا من الانطوائيين والانبساطيين يعمل بشكل يختلف عن الآخر. فالانبساطيون يميلون لإنجاز المهام بسرعة، وإتخاذ قرارات سريعة أحيانًا توصف بالتسرُّع، ويرتاحون أكثر إلى أن يتولوا أكثر من عمل في الوقت نفسه ولا يهابون الإقدام على المخاطر. ويستمتعون بالإثارة التي تضفيها المطاردة من أجل أن يحصلوا بالمقابل على مال أو مركز أو مكانة.

أما الانطوائيون فهم أكثر بطئًا وتروًيا في إنجاز الأمور، فيميلون إلى التركيز على مهمة واحدة خلال فترة زمنية معينة ويتمتعون بقدرات هائلة على التركيز. وهم محصنون ضد إغراءات الثروة والشهرة.

والشخص الانطوائي هو الذي يجد نفسه بين التأمل، والعقلانية، والولع بالكتب، والتواضع، والحساسية، ورقة الإحساس، والعمق، والجدية، والتدبر، والدقة، والاستبطان، والتوجه لعالمه الداخلي، واللين، والهدوء، والبساطة والاعتدال، والسعي للعزلة، والخجل، والنفور من المخاطر.

بينما يتسم الشخص الانبساطي بالحماسة والصراحة والمخالطة الاجتماعية والميل للوجود في مجموعات، وسرعة الانفعال والتحكم والحسم والنشاط والإقدام على المخاطر واللامبالاة والتوجه للعالم الخارجي وُخلِّو البال من الهموم والجرأة والشعور بالراحة تحت الأضواء.

وأخيرًا، أود أن أقول إنه لا يوجد من يتسم بالانطوائية أو الانبساطية على الإطلاق وإن الذي يتحكم في ترويض هذا المزاج أو نمط الشخصية هو هدف الشخص الذي يجعله يخرج عن الانطوائية أو الانبساطيه لتحقيقه. وقد صارت الانطوائية شيئًا معيبًا بسبب المعايير الجديدة التي فرضتها الثورة الصناعية في القرن العشرين والتي تقوم على الانطباعات، لا الصفات حتى تبين خطأ هذه المعايير مؤخرًا وثبت أن الطفل الانطوائي كنز لو دعمه أبواه ورعيا خصوصيته. فلو أن ابنك انطوائي يا قارئي العزيز فلتأخذ بيديه حتى يكون مشروعك الناجح بحق. وللحديث بقية.

لمزيد من الاطلاع:

https://asmaanawar.com/words-effect-on-brain/

https://asmaanawar.com/how-do-you-make-your-son-a-genius/

https://asmaanawar.com/how-do-you-make-your-son-insist-on-success/

https://asmaanawar.com/how-do-you-praise-your-son-properly/

https://asmaanawar.com/the_effect_of_stress_on_children/

https://asmaanawar.com/at-is-the-necessity-of-cyber-security-for-your-son/