الهجرة النبوية خير مثال لنيل الحرية
حين أراد الصحابي صهيب الرومي –الذي كان من أوائل من جاهروا بالإسلام من صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم مع أبي بكر وبلال وخباب وعمار وأمه سمية- الهجرة إلى المدينة، عيَّره أهل مكة فقالوا: أتيتن صعلوكًا فكثُر مالك عندنا، ثم تريد أن تخرج بنفسك ومالك؟ والله لا يكون ذلك، فقال: أرأيتم إن تركت مالي لكم هل تخلون سبيلي؟ قالوا: نعم، فدلّهم على الموضع الذي خبّأ فيه ماله بمكّة، فسمحوا له بإتمام هجرته إلى المدينة المنورة، بعد أن ضحّى بكل ما يملك في سبيل دينه.
وقد قال صهيب رضي الله عنه: وخرجت حتى قدمت على رسول الله صلى الله عليه وسلم بقِباء قبل أن يتحول منها، فلما رآني قال: "يا أبا يحيى، ربح البيع" ثلاثًا، فقلت: يا رسول الله ما سبقني إليك أحد، وما أخبرك إلا جبريل عليه السلام.
وقد نزلت في صهيب هذه الآية من سورة البقرة: "وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغَاءَ مَرْضَاتِ اللَّهِ وَاللَّهُ رَءُوفٌ بِالْعِبَادِ".
فلماذا ربح بيع أبي يحيى صهيب الرومي؟ ولماذا هاجر؟ وما معنى الهجرة؟
الهجرة معناها الانتقال، والانتقال يستوجب الحركة؛ إذن فالهجرة تعني الحركة، فقد تجد مسلمًا معجبًا جدًا بالإسلام لكنه لا يتحرك وفق منهجه ولا يعدو كونه إعجابًا سلبيًا لا يقدم ولا يؤخر، فهو يفتقر إلى الحركة وتطبيق منهج الله وخشيته والدفاع عن الحق ونشدان العدالة ويميل إلى التحرر في انتهاج العقيدة بأن تكون غايته أن يكتفي بالعبادات ويغفل المعاملات وألا يكون غضبه لله.
في حين أنه يتوجب على كل مسلم أن يدع هذا الإعجاب السلبي ويتحرك لئلا يخالف منهج الله وينزل على حُكم من ضل من عباده وأن يكون عطاؤه لله ومنعه لله وكذا رضاؤه وسخطه، وليأخذ بالأسباب مع التوكل على رب الأسباب؛ وبذلك يكون قد اقتدى برسول الله صلى الله عليه وسلم حين قال: "لَا هِجْرَةَ بَعْدَ الْفَتْحِ، وَلَكِنْ جِهَادٌ وَنِيَّةٌ، وَإِذَا اُسْتُنْفِرْتُمْ فَانْفِرُوا".
ومعنى ذلك أن الجهاد باقٍ إلى يوم القيامة بيد أن الجهاد أوسع من القتال؛ فمن الواجب على كل مسلم أن يكون مجاهدًا في سبيل الله وليس بالضرورة أن يكون مقاتلًا؛ فالجهاد فرض عين أما القتال ففرض كفاية ينوب عنه بعض الناس، والجهاد أربع مراتب هي: جهاد النفس، وجهاد الشيطان، والكفار والمنافقين، وكلها تستوجب إرادة لن تجدي بدون إدارة وحسن تدبير؛ فالتعلم والتعليم وتزكية النفس والإعمار والعمل والإتقان والكلمة الصادقة كلها من الجهاد.
وقد هاجر صهيب لأنه أراد أن يتَّبع رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي بعث برسالة من الخالق عز وجل ليتعلم منه منهجه، وقد هاجر الرسول بحثًا عن مكانٍ آمن من الإيذاء حتى يعلم من صدّق رسالته منهج الله؛ ذلك المنهج الذي أخرج الناس من عبادة العباد إلى عبادة رب العباد، وهذا عين الحرية.
أفلم يكن حريًا بصهيب إذن أن يبذل ماله كله في سبيل حريته؟!
لمزيد من الاطلاع: