كيف تمدح ابنك على نحو صحيح؟
قد تتساءل يا قارئي العزيز بعدما تقرأ مقال "كيف تجعل ابنك يصرُّ على النجاح؟" عن كيفية مدح ابنك على النحو الذي يقوّمه ولا يغرر به؟ سوف يجيبك هذا المقال عن الطريقة الصحيحة التي انتهى إليها علماء التربية؛ إذ صنفوا المدح إلى نمطين، فثمة مدح متعلق بالشخص وآخر متعلق بالتصرف، فلو أن أحد الوالدين امتدح ابنه لأدائه عملًا ينم عن ذكاء بقوله: "أنت ذكي" فهو من قبيل المدح الذي يتعلق بالشخص أما إذا قال له "أحسنت، لقد أعملت عقلك وتصرفت بذكاء" فهو مدحٌ يتعلق بالتصرف.
لقد تبين أن الأطفال الذين لهم عقلية ثابتة، والذين يتلقون مدحًا يتعلق بشخصهم، أكثر تعرُّضًا للاستسلام عندما تتأزم الأمور، والأخطر من ذلك، أنهم أكثر تعرُّضًا لتفاقم الفشل لبقائهم على الأداء السيء بعد الفشل، كما أنهم أكثر تعرُّضًا للكذب بشأن التحصيل والإنجاز حتى يُظْهِروا أنفسهم "أذكى"، حيث إن اعتقادهم بأن الآخرين يرونهم أذكياء يمثل قدرًا مهمًّا من شخصياتهم.
وقد سبق أن ترجمت دراسة عن أنماط المدح التي يتلقاها الأطفال من والديهم من سن سنة حتى 3 سنوات توصلت إلى أن أولئك الذين تلقوا نسبة عالية من المدح إزاء التصرف - أي الثناء على المجهود والمثابرة في السنوات الثلاث الأولى - كانوا أقرب إلى انتهاج عقلية النمو في سن السابعة إلى الثامنة.
وما يبعث على مزيد من الدهشة أنهم وجدوا أن عقلية النمو هذه قد أنبأت بالتحصيل الدراسي في الرياضيات والقراءة من الصف الثاني حتى الرابع، وكان هؤلاء الأطفال - كما تشير الشواهد والأدلة - أقرب إلى الاعتقاد بأن نجاحهم هو نتيجة جدهم واجتهادهم ومقدرتهم على اجتياز المصاعب، وأن قدراتهم قد تتحسن من خلال بذل الجهد.
وترى الدكتورة دانا ساسكيند مؤلفة كتاب "30 مليون كلمة" – الذي يتناول بناء مخ الطفل والذي ترجمته مؤخرًّا - أن الذكاء وعقلية النمو والجَلَد عوامل بالغة الأهمية في التحصيل والنجاح لدى الطفل، لكن لا تعدو كونها شكلًا بلا مضمون إذا لم يتحلَّ الطفل بالتنظيم الذاتي والوظائف التنفيذية.
ويرى البروفيسور جيمس هيكمان أستاذ الاقتصاد بجامعة شيكاغو والحائز على جائزة نوبل عام 2000 في الاقتصاد أن التنظيم الذاتي والوظائف التنفيذية عاملان يشيران إلى النجاح الأكاديمي للطفل، فبدونهما لا تكاد توجد لدى الأطفال فرصة للتحصيل، وكذا الأمر معنا- نحن الكبار.
فماذا يعني التنظيم الذاتي والوظائف التنفيذية إذن؟
يشير كل من التنظيم الذاتي والوظائف التنفيذية - التي أحيانًا ما يطلقون عليها "خُلُقًا" أو مهارات "شخصية" - إلى القدرة على مراقبة سلوك الفرد والتحكم فيه. وتجدر الإشارة إلى أن والتر ميشيل قد اختبر هذه المهارات بحلوى المارشيملو.
وتتلخص تجربة المارشيملو طويلة المدى في وضع قطعة من حلوى المارشيملو أمام كل طفل من مجموعة من الأطفال ثم تخييرهم بين الانتظار 15 دقيقة ليحظى من ينتظر بقطعة أخرى.
وقد تبين أن الأطفال الذين أجلوا رغباتهم بالانتظار قد حصلوا على نتائج دراسية أفضل من أقرانهم الذين تعجلوا فضلًا عن تمتعهم بعلاقات اجتماعية أنجح وحياة صحية أفضل عندما صاروا كبارًا.
وبعيدًا عن ذكائنا، فإن الوظائف التنفيذية والتنظيم الذاتي يجعلاننا صامدين عندما نحاول إيجاد حل لمشكلة بدلًا من استفزازنا وردنا بطريقة من شأنها أن تُفاقم المشكلة بدلًا من أن تحلها.
وأخيرًا أود أن أقول إنك عندما تمدح ابنك يا قارئي العزيز بناءً على تصرفه ومجهوده لا شخصه وما ترغب في أن تراه عليه فضلًا عن تدريبك إياه على أدائه الوظائف التنفيذية والتنظيم الذاتي سوف يصبح شخصًا قويًا ناجحًا يُعتمد عليه ذا عين مجردة يرى الواقع على علاته فيصلح ما يراه مُخِلًّا على قدر طاقته لا شخصًا هشًا غارقًا في التمني بعيدًا عن الواقع، عندها فقط سوف تتبين أن ابنك هو مشروعك الناجح.
لمزيد من الاطلاع: