لماذا أعيت الحماقة من يداويها؟
لماذا أعيت الحماقة من يداويها؟
أزعم أنني من الذين يقدسون العقل، ويسعدون باستخدامه وأداء دوره الذي يكتمل بإقراره بقدرة الخالق - عز وجل- التي لا تُحد، ويتحملون أرق التفكير لينعموا بسعادة الوصول؛ لذا فإنني أرى أن العقل أعظم ما خلقه الله؛ إذ يلمس به الإنسان عظمته في كل خلقه.
وأذكر أنني كنت – ولا أزال – أجنح إلى التأمل منذ نعومة أظفاري إذ كان ملاذي ومصدر سعادتي، والتأمل هو استغراق ذهنيّ أو حالة يستسلم فيها الإنسان لما يمرّ في خاطره من معانٍ وأفكار، أو أنه تفكير متعمِّق في موضوع يتطلّب تركيز الذهن والانتباه، وبالتأمل تتبعت تدبير الله في كل شيء حولي فآمنت به ورضيت به ربًّا وبالإسلام دينًا عند البلوغ والتكليف.
ومن طبيعة الأحمق أن يستفيض في الكلام بتكلُّفٍ وخروج عن الحدّ وكلامه هراء، ويعتقد أنه أحسن إنسان في الكون وأنه لا يرتكب الأخطاء كما يقول عالم النفس الفرنسي جين فرانسوا مارميون.
ومن يستخدم عقله تغلب عليه سمة الحذر والتأني؛ لكونه لا يكف عن محاولة تحفيز عقله على رؤية الأمور من مختلف الزوايا وهو ما يُعرف بالتفكير النقدي، ومن ثم يتخوف الخطأ في تقدير الأمور ويحذر سوء التصرف.
وعلى الرغم من أنني أتسم بالحذر والتأني لا أزعم أنني أخلو من حماقات وما يجعلني لا أندم عليها هو اعترافي من خلالها بكمال الخالق المعبود عز وجل وبنقصاني أنا العابدة له فأسعد أيما سعادة بالاعتراف والإذعان له وطلب التوفيق في كل ما أفعل.
وقد ورد عن علي بن أبي طالب – رضي الله عنه- أنه قال: "ليس من أحد إلا وفيه حمقة فيها يعيش". وكما قال الفيلسوف الهولندي إيراسموس: "الحياة بدون حماقة تعني حياة بدون سعادة".
وأرى أنه لا يوجد إنسان يخلو من حماقة إلا أن درجاتها تتفاوت من شخص لآخر بين البساطة والتعقيد حتى ليمكننا إطلاق صفة الحمق على إنسان، فمن صفات الشخص الأحمق أنه سرعان ما يثق بالناس، وغالبًا ما يدفع ثمن ذلك غاليًّا. وهو الذي يتحدث بغرور معجبًا بنفسه ويكثر الكلام عن صفاته كأن يقولَ مثلًا: "متى دخلت مكانًا لفت إليّ الأنظار واستحوذت على اهتمام حاضريه".
ومن طبيعة الأحمق أن يستفيض في الكلام بتكلُّفٍ وخروج عن الحدّ وكلامه هراء، ويعتقد أنه أحسن إنسان في الكون وأنه لا يرتكب الأخطاء كما يقول عالم النفس الفرنسي جين فرانسوا مارميون.
ويقول ابن الجوزي في كتاب "أخبار الحمقى والمغفلين": "إنه رُوي عن الخليل ابن أحمد أنه قال: الرجال أربعة: رجل يعلم ويعلم أنه يعلم فذاك عالم فتعلموا منه، ورجل يعلم ولا يعلم أنه يعلم فذاك نائم فأنبهوه، ورجل لا يعلم ويعلم أنه لا يعلم فذاك جاهل فعلموه، ورجل لا يعلم ولا يعلم أنه لا يعلم فذاك أحمق فاجتنبوه."
وقال بعض الحكماء: "يعرف الأحمق بست خصال: الغضب من غير شيء، والإعطاء في غير حق، والكلام من غير منفعة، والثقة بكل أحد، وإفشاء السر، وبأنه لا يفرق بين عدوه وصديقه، ويتكلم بما يخطر على قلبه بلا تدبر، ويتوهم أنه أعقل الناس."
ويقول ابن الجوزي: "ينبغي على الإنسان أن يتبع دليلًا ولا يتبع طريقًا ثم يتطلب دليله. ويضيف: " يمكن للفقير أن يكسب مالًا ويصير غنيًّا، لكن لا يمكن للأحمق أن يكسب عقلًا ويصير حكيمًا".
ومن أبرز سمات الحمقى الغرور والمكابرة فيتجنب أحدهم تغيير رأيه عندما يدرك الطريق الصحيح كأنما يعبد رأيه والعياذ بالله، على عكس العاقل الذي يغير رأيه وفق ما استجد من حقائق وشواهد وأدلة عقلية.
ويقول الأصمعي: "إذا أردت أن تعرف عقل الرجل فحدِّثه بحديث لا أصل له فإن رأيته أصغى إليه وقَبله فأعلم أنه أحمق وإن أنكره فهو عاقل".
وإنني أرى أن الأحمق يفتقر إلى التفكير النقدي الذي يعد مهارة يمكن اكتسابها والتدرب عليها؛ لذا فمن أكثر ما أنادي به إدراج مادة التفكير النقدي في المناهج الدراسية للطلاب منذ الصغر ليتعلم الطالب كيفية الوصول إلى مصادر المعلومات وتقييم مدى موثوقيتها.
يقول أبو حاتم بن حيانَ الحافظ: "علامة الحمق سرعة الجواب وترك التثبت والإفراط في الضحك وكثرة الالتفات والوقيعة في الأخيار والاختلاط بالأشرار".
ومن أبرز سمات الحمقى الغرور والمكابرة فيتجنب أحدهم تغيير رأيه عندما يدرك الطريق الصحيح كأنما يعبد رأيه والعياذ بالله، على عكس العاقل الذي يغير رأيه وفق ما استجد من حقائق وشواهد وأدلة عقلية. وتشبث الأحمق برأيه على نحو أعمى يمنعه من التمييز بين الصالح والطالح، وبين الحق والباطل وبين الضار والنافع فيصير كالحمار يحمل أسفارًا، فلا يحصد من يحاوره إلا الشعور بالتعب والإجهاد إلى درجة تقرب من الانهيار بدون أدنى فائدة؛ أو كما قال الأعشى:
كناطح صخرة يومًا ليفلقها ... فلم يُضِرها، وأوهي قرنه الوعل
بمعنى: إن الرجل الذي يكلف نفسه فوق وسعه كالوعل الذي ينطح الصخرة ليضعفها؛ فلا ينال منها شيئًا، بل يضعف قرنيه ويؤذيهما.
ولذلك فإن لكلّ داءٍ دواءً يُستَطبُ بهِ إلّا الحماقةَ أعيَت من يداويها كما قال المتنبي.
والأحمق يسد الطرق والمنافذ التي توصل نسبة العلم إلى قوى الإدراك في المخ، وهو فاقد لإرادة التعلم فلا يستشعر أي مؤثرات خارجية توصل نسبة العلم إلى المخ، والعلم هو النسبة الواقعة – وليست من الخيال – المجزوم بصحتها وعليها دليل. والأحمق هو الذي عندما يرى الدليل لا يستعمل عقله. وهو يفرح بالمدح الكاذب ويتأثر بتعظيمه وإن لم يكن مستحقًا لذلك.
يقول أبو حاتم بن حيانَ الحافظ: "علامة الحمق سرعة الجواب وترك التثبت والإفراط في الضحك وكثرة الالتفات والوقيعة في الأخيار والاختلاط بالأشرار والأحمق إن أعرضت عنه أعتمَ (أي عبس) وإن أقبلت عليه اغتر وإن حلمت عنه جهل عليك وإن جهلت عليه حلم عليك وإن أحسنت إليه أساء إليك وإن أسأت إليه أحسن إليك وإذا ظلمته أنصفت منه ويظلمك إذا أنصفته فمن ابتلى بصحبة الأحمق فليكثر من حمد الله على ما وهبه مما حرمه ذاك."
عن عبدالله بن حبيق أنه قال: أوحى الله عز وجل إلى موسى عليه السلام:" لا تغضب على الحمقى فيكثر غمك". وعن الحسن أنه قال: "هجران الأحمق قربة إلى الله عز وجل". وعن سلمان بن موسى أنه قال: "ثلاثة لا ينتصف بعضهم من بعض، حليم من أحمق، وشريف من دنيء، وبر من فاجر".
وأخيرًا، ما طريقة التعامل مع الأحمق؟
أرى أن الطريقة المثلى للتعامل مع الأحمق هي أن يتحلى من يتعامل معه بالهدوء والتحكم في المشاعر بألا يغضب لأن الشخص الأحمق لديه قدرة فائقة على إثارة الغضب وضيق الصدر، والأحمق يختلف عن الشخص العصبي فالعصبي قد يبالغ في إعطاء الأمر أكبر من قدره، أما الأحمق فقد يثور بدون سبب يستدعي غضبه.