مايو 16, 2023

|

بواسطة: asmaa

|

Tags: التربية, الحياة

|

Categories: قلم يفكر

ما أثر الكلمات على مخ طفلك؟

أسماء راغب نوار | ما أثر الكلمات على مخ طفلك؟

لم أكن أتصور يومًا أن لكلمة " تكبير" المخ أساسًا علميًّا، فبإمكان كل أب وأم فعل ذلك لطفلهما بدون عبء؛ إذ ثبت علميًا أن التحدث إلى الطفل منذ المولد حتى سن الثالثة كفيل بزيادة عدد خلايا مخ الطفل ومعدل ذكائه وتحصيله الدراسي. فالكلمات بالنسبة للمخ كالغذاء بالنسبة للعضلات وكلما تغذت العضلات نمت وإن لم تحصل على الغذاء الكافي تقزمت وكذلك المخ إذا لم يتعرض الطفل إلى سماع الكلمات وخاصة حديث الأب والأم أو من يقوم برعايته فسوف يتقزم مخه.

وما كنت أتصور ذلك حتى اطلعت على كتاب بعنوان "30 مليون كلمة" بالإنجليزية فآثرت ترجمته لإثراء المكتبة العربية.  وتعمل كاتبة الكتاب جراحة أطفال متخصصة في زراعة القوقعة للأطفال الصم حتى ينعموا بالسمع، وقد تحولت إلى باحثة اجتماعية بعدما لاحظت تباينًا واضحًا في نتائج زراعة القوقعة لطفلين.

وأجرت عملية زراعة القوقعة لكل من زاك وميشيل وكان زاك مريضها الثاني أما ميشيل فكانت الرابعة، وكلاهما كانا مصابًا بصمم عميق عند الولادة وكانا متشابهين في أوجه كثيرة، وقد بدا على كل منهما قدرات متشابهة، فكلاهما لديه أم تحبه وتود له الدخول في العالم الناطق، واستُخدم مع كل منهما أكثر الوسائل التكنولوجية فاعلية.  لكن انتهى التشابه عند هذا الحد، فعلى الرغم من أنه كانت لكليهما القدرات نفسها وأُجريت لهما الجراحة نفسها، فقد جاءت النتائج مختلفة تمامًا.

ولأن الكاتبة طبيبة أمينة أخذت على نفسها ألا ينتهي دورها عند إتمام العملية الجراحية إنما ينتهي عندما يتعافى المريض، الأمر الذي جعلها تتابع مدى تقدم مرضاها، فوجدت أن زاك أصبح طفلًا عاديًا وتعلم القراءة في الصف الثالث أما ميشيل فلم تكد تتقدم، بل ظلت من ذوي الاحتياجات الخاصة وبحاجة إلى اختصاصي في السمع على الدوام.

وبعدما تساءلت الكاتبة: ما الخطأ الذي وقع؟ لقد ساعدت طفلين أصمين على أن ينعما بالسمع. فماذا حدث ليبدو هذا التباين الواضح في نتائج زاك وميشيل على الرغم من نجاح زراعة القوقعة لكليهما؟ فراحت تستكشف الأسباب.

وتبين لديها بالاستقصاء أن الأمر يتجاوز غرفة العمليات ليصل إلى بيوت الأطفال والبيئة اللغوية التي يعيشون فيها، فالبيئة اللغوية الثرية أشبه بالأكسجين الذي قد يراه الإنسان من المُسلمات إلى أن يرى شخصًا لا ينال القسط الوافي منه. وتجدر الإشارة إلى أن الأمر ليس متوقفًا على الحالة الاجتماعية والاقتصادية، ولكن على مدى تحدث الوالدين مع الطفل.

لقد كان والدا زاك سبَّاقين في مناحِ كثيرة منها أنه منذ تشخيص حالته عُلِّقت له سماعات، وكان يتردد عليهما في المنزل من البداية اختصاصي ليعمل معهما ومع زاك على تجريب تقنيات لتحسين نمو لغته. وشرعا في تعلم لغة الإشارة بالفعل لأنهما أرادا أن يضمنا تمكن ابنهما من التواصل أيًّا كانت الطريقة. وكانت النتيجة أن أصبحت لغة الإشارة هي وسيلة الاتصال بين زاك وأسرته بالفعل.

فضلًا عن أنه عندما أدركت والدته منذ البداية أن السماعات لا تُجدي مع ابنها؛ سعت للتوصل إلى حل بنفسها. فعندما كان زاك رضيعًا كانت تضعه على صدرها، وكانت تضع يديه الصغيرتين على حنجرتها آملةً أنه سيربط اهتزازات ترنيمات هدهدتها الجميلة له بالصوت. وكان ذلك قبل زراعة القوقعة قبيل إتمامه عامه الأول. وكان عالم زاك بالمنزل مفعمًا بالتحدث والقراءة، فتعلم - وهو الذي وُلد أصم - القراءة في الصف الثالث.

أما والدة ميشيل فظنت أن مهمتها قد انتهت عندما سارعت بإجراء عملية زراعة القوقعة لتنعم ابنتها بالسمع، فلم تعلم أن قلة التحدث معها قد أدى إلى تقزم خلايا مخها حتى صار إدراكها غير مناسب لسِّنِّها. فكلنا يولد بقدرة مئة مليار خلية عصبية لا فاعلية لها إلا إذا كان بينها ترابط، فإن لم يكن ثمة ترابط صارت كأعمدة الهواتف القائمة بذاتها بدون أسلاك توصيل والترابط إنما يأتي بالتحدث إلى الطفل منذ مولده. وعندما تتصل هذه الأسلاك على النحو الأمثل تنتقل إشارات بسرعة فائقة من خلية عصبية إلى أخرى فيعمل المخ على نحوٍ مذهل. لكن الأمر كله، مع الأسف، يتوقف على التوقيت.

وتشير الكاتبة إلى الأهمية القصوى للتحدث إلى الطفل الرضيع، فلك أن تتصور يا قارئي العزيز تأثير عبارة الأم "حبيب ماما أنت" لطفلها الصغير بطريقة حنون دافئة النبرة في صوت منغَّم على مخ الطفل؛ إذ تساعده على تحليل الصوت والالتزام باللغة التي سوف يستخدمها. فعلى الرغم من أن العبارة قد تبدو تعبيرًا عن حب الأم فإن التحدث إلى الطفل الرضيع يساعد مخه في فهم الأصوات التي يمكن تمييزها بوضوح عن غيرها بسهولة مما ييسر فهم هذه الأصوات واكتسابها.

ويقودنا هذا إلى التساؤل: هل من الممكن أن يتولى التليفزيون أمر هذه المهمة؟ فنُجلس الطفل أمام التلفزيون للتعرض للغة؟ يا للأسف الإنسان مخلوق اجتماعي، فإقصاء التفاعل والتواصل قد يحد من قدراته على التعلم والاحتفاظ بالمعلومات على نحوٍ خطير. فالمخ أشبه بالغربال بدون التفاعل البشري. والطفل لا يكتسب اللغة على نحوٍ سلبي لكنه يكتسبها فقط في بيئة يتوافر فيها التجاوب الاجتماعي. وتثبت الكاتبة أن حديث الوالدين يعد أساسًا لنمو المخ.

وأخيرًا أود أن أقول لك يا قارئي العزيز إذا أردت ابنًا ذكيًا فصيحًا يعجب له من يراه فعليك بالتحدث معه منذ اللحظة الأولى من ميلاده في شتى الموضوعات التي تشغلك ولتكتسب مفردات جديدة لتحدِّثه بها وتُثري معجمه اللغوي الذي سوف يذهلك عندما يستطيع مجاراتك في التحدث عند اكتمال جهاز الكلام لديه فهو لو تعلم يعقل أكثر منك لكن لا يسعفه لسانه بعد لكنك ستفرح به عندما ينطق وعندها تتيقن أن ابنك مشروعك الناجح بحق.

ما أثر الكلمات على مخ طفلك؟

لمزيد من الاطلاع:
https://asmaanawar.com/how-do-you-make-your-son-a-genius/

https://asmaanawar.com/how-do-you-make-your-son-insist-on-success/

https://asmaanawar.com/how-do-you-praise-your-son-properly/