قلم يقرأ على الماشي (14)
قصيدة: ضعف العزيمة لحد في سكينته لأبي القاسم الشابي
ضُعْفُ العزيمَةِ لَحْدٌ في سَكينَتِهِ تقضي الحَيَاةُ بَنَاهُ اليأسُ والوجلُ
وفي العَزيمَةِ قُوَّاتٌ مُسَخَّرَةٌ يَخِرُّ دونَ مَدَاها الشَّامِخُ الجَبَلُ
والنَّاسُ شَخْصانِ ذا يَسْعى بهِ قدَمٌ من القُنُوطِ وذا يَسْعَى بهِ الأَمَلُ
هذا إلى الموتِ والأَجداثُ ساخِرةٌ وذا إلى المجدِ والدُّنيا لَهُ خَوَلُ
مَا كلُّ فِعْلٍ يُجِلُّ النَّاسُ فاعِلَهُ مَجْداً فإنَّ الوَرَى بي رأْيِهِمْ خَطَلُ
ففي التَماجُدِ تَمْويهٌ وشَعْوَذَةٌ وفي الحقيقَةِ مَا لا يُدْرِكُ الدَّجِلُ
مَا المَجْدِ إلاَّ ابْتِساماتٌ يَفيضُ بها فمُ الزمَّان إِذا مَا انسدَّتِ الحِيَلُ
وليسَ بالمجدِ مَا تَشْقَى الحَيَاةُ بهِ فَيَحْسُدُ اليَوْمَ أَمْساً ضَمَّهُ الأَزَلُ
فما الحُرُوبُ سِوَى وَحْشيَّةٍ نَهَضَتْ في أَنْفُسِ النَّاسِ فانْقادَتْ لها الدُّوَلُ
وأَيْقَظَتْ في قُلوبِ النَّاسِ عاصِفَةً غامَ الوُجودُ لها وارْبَدَّتِ السُّبُلُ
فالدَّهْرُ مُنْتَعِلٌ بالنَّارِ مُلْتَحِفٌ بالهوْلِ والويلِ والأَيامُ تَشْتَعِلُ
والأَرضُ داميةٌ بالإِثْمِ طامِيَةٌ ومارِدُ الشَّرِّ في أَرْجائِها ثَمِلُ
والموتُ كالمَارِدِ الجبَّارِ مُنْتَصِبٌ في الأَرضِ يَخْطُفُ من قَدْ خانَهُ الأَجَلُ
وفي المَهَامِهِ أَشلاءٌ مُمَزَّقَةٌ تَتْلو على القَفْرِ شِعْراً لَيْسَ يُنْتَحَلُ
أبو القاسم الشابي: فخر الأدب العربي في ربوع تونس الخضراء، وهو الشاعر الذي يتنفَّس القارئ في أشعاره رحيق النفحات الأندلسية في الشعر، وأبرز مَن تَجَلَّت في أشعاره ظاهرة الجُمَل المتوازية في الشعر، وهي ظاهرة قديمة في التراث العربي جُدِّدَت دماؤها في ذاكرة التراث العربي حينما أُودِعَت في أبيات الشَّابي.
وُلِدَ أبو القاسم بن محمد بن أبي القاسم بن إبراهيم الشَّابي عام 1909م في بلدة الشَّابة التابعة لولاية توزر، وترجِع دماء نسبته إلى أبيه الشيخ محمد الشَّابي الذي اتَّسَم بالتقوى والصلاح، وكان يقضي جُلَّ وقته بين المسجد والمحكمة والمنزل، وقد كان لهذه النشأة أثرٌ جَلِيٌّ في حياة الشابي؛ فقد حفظ القرآن الكريم، ثم التحق بجامعة الزيتونة عام 1920م، وتخرَّج فيها عام 1928م. التحق بعد ذلك بمدرسة الحقوق بجامعة الزيتونة بتونس، وحصل منها على ليسانس الحقوق عام 1930م.
وقد قدَّم الشابي للمُعْترك الأدبي العديدَ من المقالات والقصائد التي حَظِيَتْ بالاهتمام والنشر في مختلف الصحف التونسية والمصرية.
كان الشابي ناشطًا في الخلدونية، والنادي الأدبي بقدماء الصادقية؛ إضافةً إلى أنه كان من مؤسسي جمعية الشبان المسلمين عام 1929م.
ألقى الشابي العديد من المحاضرات في نوادي العاصمة تونس وولاية توزر، وقد ذخرت ذاكرة الأدب العربي بما قدَّمه لها من قصائد منها: «إرادة الحياة»، و«صلوات في هيكل الحب». وقد داهمته مخالب مرض «القُلاب» منذ ولادته، وكان يشكو من تضخُّم في القلب فارق على أثره الحياة وهو في ريعان شبابه، حيث وافته المنية عام 1934م، ونُقِل جثمانه إلى مدينة توزر كي يُوارَى الثرى.
لمزيد من الاطلاع:
https://asmaanawar.com/asmaa_blocks/