نوفمبر 30, 2022

|

بواسطة: asmaa

|

Categories: قلم يترجم

لماذا تزيد الآلام بالليل؟

أسماء راغب نوار | لماذا تزيد الآلام بالليل؟

بقلم: أليسون ويتن
ترجمة: أسماء راغب نوار

لماذا تزيد الآلام بالليل

يفيد الكثيرون أن آلامهم وأوجاعهم تتفاقم عندما يُخلدون إلى النوم. فـ لماذا تزيد الآلام بالليل؟ لكن ثمة أبحاث جديدة عن الساعة البيولوجية تفسر هذا اللغز.

لماذا تتذبذب حدة الشعور بالألم الجسدي الذي يعتبر من أهم التجارب الإنسانية الأساسية على مدى اليوم؟ لا تزال الأسباب لغزًا منذ فترة طويلة. فمنذ بدايات الطب، والأطباء والمرضى يلاحظون أن العديد من أنواع الألم تزيد حدتها بالليل. وتربط معظم الأبحاث، إلى يومنا هذا، الألم المتزايد ليلًا بالحرمان من النوم أو اضطراب النوم، ولم تبد صحة هذا الربط إلا في أضيق الحدود.

في دراسة نُشرت مؤخرًا، ألقى الباحثون بقيادة كلود جرونفيير في مركز ليون لأبحاث العلوم العصبية في فرنسا الضوء أخيرًا على حساسية الألم المتغيرة، مشيرًا إلى أن ساعتنا البيولوجية تشكل هذه التغيرات بكل ما تحمله الكلمة من معنى، بما بها من تراوح بين أعلى درجات الألم وأقلها في أوقات مختلفة من اليوم.

حتى الأشخاص الذين لا يجيدون الرقص لديهم إيقاع أو نَظم داخلي يطن عبر كل جهاز من أجهزة أجسامهم. وتُعرف هذه العمليات البيولوجية التي تضبط نشاطهم للنهوض أو السكون في أوقات محددة على مدى اليوم بالنظم اليوماوي الذي تُفعِّله ساعة الجسم الداخلية.

وتؤثر هذه العمليات إلى حد كبير على كل جهاز من أجهزة الجسم، فتتحكم في "كل جوانب وظائف أعضاءنا وسلوكياتنا تقريبًا"، كما يقول لانس كريجسفيلد، الباحث في علم الأحياء المتخصص في النظم اليوماوي بجامعة كاليفورنيا، بيركلي.

وقد تبين من البحث الذي أجراه جرونفيير وفريقه تأثير هذا النَظْم على الألم من خلال إثبات أن مُنبهًا حراريًا سريعًا ومؤلمًا كان أكثر إيلامًا في نحو الساعة 3 صباحًا وأقل إيلامًا في نحو الساعة 3 مساءً. يقول نادر قاسملو، الباحث في الألم بجامعة كوينز في كينجستون، كندا، والذي لم يشارك في البحث: "إنه أمر مثير للغاية". "إنها واحدة من هذه الدراسات التي تجيب عن الأسئلة التي طالما شغلتنا."

وقد طال أمد الشكوك لكون إثبات أن أي شيء مُفعَّل بساعة الجسم الداخلية أمرًا عسيرًا يحتاج إلى إجراء دراسة شاقة؛ مما يوجب على الباحثين أن يضعوا المشاركين في بيئة معملية تخضع للرقابة المتواصلة حيث يمكنهم استبعاد أي عوامل بيئية أو سلوكية قد تسبب تقلبًا إيقاعيًا كذلك.

ويسمى هذا النهج "البروتوكول الروتيني الثابت"، حيث يظل كل شيء ثابتًا - الإضاءة ودرجة الحرارة وتناول الطعام - ويستحيل إخبارهم بالتوقيت. ويجب على المشاركين الاستلقاء في وضع (شبه راقد) في غرفة مضاءة إضاءة خافتةً لمدة 24 ساعة على الأقل. ولا يُسمح لهم بالنوم أو المغادرة أو النهوض لقضاء الحاجة. ولا يتم تقديم الطعام إلا من خلال وجبات خفيفة صغيرة كل ساعة. ويمكن للمشاركين الدردشة مع أعضاء فريق الدراسة، ولكن يُحظر عليهم تمامًا أن يذكروا أي شيء يتعلق بالوقت.

ويوضح جرونفير أنه بموجب البروتوكول، لم يعد هناك شيء في البيئة أو سلوك المشاركين يعمل على وتيرة إيقاعية. لذلك إذا اكتشف الباحثون مقياسًا بيولوجيًا ذا نظم مقداره 24 ساعة، فإن هذا النمط "ينبع من الداخل، وعلى وجه التحديد من النظام اليوماوي للتوقيت".

وقد وجد فريق جرونفير 12 شابًا يتمتعون بصحة جيدة وافقوا على الخضوع للبروتوكول لمدة 34 ساعة لاكتشاف طبيعة الألم المتواترة بانتظام. واختبر الفريق حساسية الألم لديهم كل ساعتين باستخدام جهاز يوضع على الساعد، وتزداد درجة حرارته ببطء بمقدار درجة مئوية واحدة إلى أن يصرخوا من الألم.

عادة ما كان المشاركون يوقفون الجهاز قبل أن تصل درجة حرارته إلى 46 درجة مئوية (115 درجة فهرنهايت). كما اُختُبِر المشاركون باستخدام الجهاز الذي ضُبط على درجات حرارة معينة (42 و44 و46 درجة مئوية)، ثم طُلب منهم تقييم مستوى الألم الذي شعروا به على مقياس مرئي.

وقبل أن يتمكن الفريق من البحث في انتظام الوتيرة بهذه البيانات، كان يتوجب عليهم الحصول على مقياس لساعة جسم كل شخص. وعلى الرغم من أن انتظام الوتيرة لكل فرد يتبع دورة يومية، فإن بعضها ينحرف في وقت مبكر أو متأخر من اليوم - مما يفضي إلى نمطيّ "الكائن النهاري" و "الكائن الليلي" وما بينهما. وقد توصل الفريق إلى ذلك عن طريق جمع عينات من اللعاب كل ساعة لتقييم ارتفاع هرمون الميلاتونين، وهو هرمون يُفرز قبل وقت النوم الطبيعي للفرد بحوالي ساعتي.

ثم استخدم الفريق هذه المعلومات لمزامنة انتظام الوتيرة لدى كل فرد على مدى 24 ساعة. ثم ظهرت دورة واضحة من الألم. وبلغت الحساسية ذروتها بين الثالثة والرابعة صباحًا، في المتوسط، على هذا المقياس المعياري قبل أن تصل إلى أدنى مستوياتها بعد حوالي 12 ساعة.

كما أظهر الفريق أن انتظام الوتيرة هذه كان خاصًا بالمنبهات المؤلمة. وقد اتخذ المشاركون إجراءً لرفع درجة الحرارة ببطء إلى أن لاحظوا الدفء، ولكن عند الحد الأدنى لعدم الإحساس بالألم، لم يكن هناك أي نمط نظامي لحدة ما يستشعره الإنسان.

تقول بيث دارنال، مديرة مختبر ابتكارات تخفيف الآلام في جامعة ستانفورد: "إنه أمر منطقي للغاية، ومع ذلك فهو غير بديهي نسبيًا - لأنه لو كان واضحًا جدًا، لأُثبت منذ وقت طويل، إنه أمر جديد جدًا، لكن له وجاهته الواضحة وضوح الشمس."

نظرًا لأنه لم يُسمح للمشاركين بالنوم طوال الليل، فقد تمكن الباحثون أيضًا من اكتشاف ما إذا كانت لأي زيادة في الألم علاقة بالحرمان من النوم – وهي النظرية السائدة قبل إجراء البحث الجديد. واستنتج فريق الدراسة أن أي حساسية متزايدة للألم ناتجةٍ عن الحرمان من النوم ستتراكم ببطء خطيًا خلال الليل عندما تتزايد الرغبة في النوم. وهذا يتناقض مع نمط يزيد ويتراجع من تأثير النظم اليوماوي.

ولذلك استخدم الباحثون النمذجة الرياضية لمعرفة إلى أي مدى يبدو أن التغييرات في إدراك المشاركين للألم يمكن تفسيرها من خلال الزيادة البطيئة مقابل التغيير المنتظم بوتيرة (نظم يوماوي). كانت النتائج بمثابة ترجيح للنظم اليوماوي؛ إذ يمكن تفسير 80 في المئة من البيانات من خلال مُفْعِّل الساعة البيولوجية، مع تفسير 20 في المئة فقط من خلال الرغبة في النوم.

ويقول جرونفير: "لقد فوجئنا بهذه النسبة. في الواقع، كنت أعتقد أن الرغبة في النوم ستكون أكبر كثيرًا ". ثم أضاف: "لكن هذا لا يعني أن النوم ليس مهمًا، لأننا أجرينا دراستنا على أشخاص يحظون بقسط وفير من النوم في العادة." كما أضاف أن تكرار الدراسة على أشخاص يعانون من الأرق باستمرار أو يعانون من اضطراب في النوم قد يُظهر أن الحاجة إلى النوم ذات تأثير أكبر على الألم لدى للبعض.

وسيكون من الضروري تكرار الدراسة في عينة من النساء. نظرًا لأنه من المعروف أن الهرمونات مثل الإستروجين تؤثر على النظم اليوماوي، فمن المحتمل ألا يجد الباحثون نمط وتيرة انتظام الألم نفسه. وتقول ديبرا سكين، الباحثة في علم الأحياء المتخصصة في النظم اليومي في جامعة سَري في إنجلترا والتي لم تشارك في البحث: "تتضح لنا الفروق بين الجنسين في كل مرة نقوم فيها بأي شيء مع الرجال والنساء. لكن بالنسبة لي، أعتقد أن الأمر يتعلق بالسعة - أو مدى ضخامة هذا المنحنى - لا أعتقد أن الوقت الذي نكون فيه أكثر حساسية سيتغير."

وعلى الرغم من أن الدراسة كانت صغيرة، واقتصرت على عينة من 12 رجلاً فقط فقد كانت تأثيرات انتظام الوتيرة قوية جدًا لدرجة أن الباحثين مثل سكين على يقين من أن الفريق اكتشف تأثيرًا حقيقيًا للنظم اليوماوي على الألم، وهو ما يمكن إجراء دراسته اليوم على الأشخاص الأكبر سنًا من شتى الأعراق.

وتأمُل دارنال مستقبلًا أن يكون لدراسة طبيعة النظم اليوماوي للألم الناجم عن اضطرابات الصحة - مثل السرطان أو الهربس العصبي - تأثير على كيفية علاج هذا الألم. وتضيف أن علم أمراض النظم اليوماوي قد يكون هدفًا علاجيًا أكثر أهمية مما قُدر من قبل.

وقد يكون من الأفضل إعطاء علاجات للألم بناءً على ساعة الجسم الداخلية بدلاً من تلك الموجودة على الحائط. هذا مجرد شيء من أشياء يسعى إليها باحثون مثل جون هوجينش، الباحث في علم الأحياء المتخصص في النظم اليوماوي في مستشفى سينسيناتي للأطفال، من أجل تحقيقها الآن.

في عام 2019، نشر هوجينش وزملاؤه ورقة بحثية توضح أن الوصفات الطبية لتسكين الألم بالمستشفى ازدادت في الصباح وتضاءلت في الليل. بعبارة أخرى، كان للمستشفى نظمٌ خاصٌ بها من 24 ساعة - ولكنه لا يعكس بدقة احتياجات مرضى المستشفى.

وأضاف هوجينش: "على الرغم من أننا نعلم أن الإبلاغ عن الألم غالبًا ما يتم ليلًا، فإن علاجه فعليًا لا يتم إلا في اليوم التالي". وهو يأمل أن يقرأ الأطباء، الذين قد يقررون بعد ذلك وصف مسكنات الألم طوال الليل، الورقة البحثية الجديدة من مختبر جرونيفر. كما يأمل أن تشجع النتائج المزيد من البحث حول موضوع تذبذب الألم.

ولكن عند الشروع في إجراء المزيد من البحث، لا يمكننا افتراض إظهاره أن كل نوع من أنواع الألم يصل إلى ذروته في الليل. ويُبلغ بعض الأشخاص الذين يعانون من ألم التهابي مثل الصداع النصفي والتهاب المفاصل عن مزيد من الألم في الصباح. لذلك من الممكن أن يعتمد الاختلاف على نمط الأنسجة أو نظام الجسم. وبالطبع، فإن النظر إلى جماعات مختلفة من الناس يمكن أن يكشف عن نُظم يومية فريدة.

فيما يتعلق بما يسبب زيادة الألم وتراجعه، لا يزال العلماء في ريبٍ من الأسباب. لكن هناك مؤشرات. فكل خلية في جسمك تقريبًا لها ساعتها الجزيئية الخاصة التي تستمع إلى الإشارات من جهاز تنظيم ضربات القلب الرئيسي في مخنا. لذا افترض زميل كادر، الباحث في علم الأعصاب وطبيب الأعصاب بجامعة أكسفورد، وزملاؤه أن مقدار الألم الذي نشعر به قد يرجع إلى إيقاع الخلايا التي تكتشف الألم.

ويدعم هذا مسودة أُعدت مؤخرًا (جزء من بحث حديث لا يزال يترقب مراجعة علماء مستقلين) من مختبره - فقد تبين أن تذبذبات الألم على مدى 24 ساعة في الفئران تعتمد على الساعات الجزيئية الموجودة في الخلايا العصبية التي يتم تنشيطها بمُنبه مؤلم. عندما استخدموا تقنية إغفال الساعات الجزيئية في الخلايا العصبية الطرفية للفئران، كانت مستويات الألم لدى القوارض مستقرة طوال اليوم.

ربما تكون أكبر استفادة في الوقت الحالي أنه كلما هاجم المريض الألم، فإن وظيفة جهاز النظم اليومي تتمثل في أن ما يرتفع لا بد أن ينخفض. ففي أثناء رحلتك مع الإحساس بالألم صعودًا وهبوطًا، قد تشعر بالراحة لساعات معدودة دون أن تتناول قرصًا لتسكين الألم. ثم يسوء الأمر من جديد.

المصدر:

https://www.wired.co.uk/article/why-pain-feels-worse-at-night

لمزيد من الاطلاع:

https://asmaanawar.com/asmaa_blocks/