الإسراء والمعراج تكريمٌ لمحمد وأمتِّه
أرى أن رحلة الإسراء والمعراج ليست بتكريمٍ من الله لرسوله الخاتم صلى الله عليه وسلم فقط، بل إنها كانت تكريمًا لأمته أيضًا. فإذا كانت هذه الرحلة نوعًا من المؤازرة والتعزية من الله عز وجل لرسوله بعدما حزن ببشريته على فقدان اثنين من أكبر الداعمين له في نشر رسالته، فقد فَقَدَ زوجه خديجة أولى المؤمنات برسالته وأكبر الداعمين له في نشرها، فيا لحظ من كان صاحب رسالة إذا دعمته زوجه ويا لحسرته إن فقد دعمها!
وقد فقد الرسول صلى الله عليه وسلم في العام نفسه عمه أبا طالب الذي فاق حبه لمحمد حبه لأولاده بعدما أوصاه به والده عبدالمطلب، فما توانى – على الرغم من عدم دخوله في دينه – عن حمايته والصد عنه، فلم يتخلَّ عنه عندما أُمر بتبليغ الدّعوة والجهر برسالته، فظلّ خطّ الدّفاع الأول لابن أخيه، وكان يتصدَّى لكل من عاداه أو أراد أذيّته، على عكس عمّه أبي لهب الذي تصدّر العداء له ووقف في وجه دعوته.
وقد ورد في السُّنة النبوية أن أبا طالب مات وماتت بعده بثلاثة أيام خديجة فحزن رسول الله حزنًا شديدًا حتى أُطلق على السنة العاشرة من البعثة عام الحزن، فكانت رحلة الإسراء والمعراج نوعًا من التخفيف والتسرية عنه صلى الله عليه وسلم، فأرسل إليه الله جبريل عليه السلام راكبًا دابته البُراق ليصحبه بقدرته عز وجل من مكة المكرمة إلى المسجد الأقصى ثم يُعرِّجَ به إلى عرش الرحمن مارين بالسموات السبع وكان من بركة ذلك أن فرض الله الصلاة على أمته وقد علم عز وجل مدى تأثيرها على النفس التي خلقها ففرضها خمس مرات مستوعبةً أطراف الليل والنهار، ولعظم كرامتها فقد استدعى رسوله عليه الصلاة والسلام لتكليفه بها مباشرة بدون وحي.
والمسلم مكرّمٌ بالصلاة لكونها تُنبِّهُه إلى أن الله أكبر من همه مهما تعاظمه عندما ينادي المؤذن بها مدويةً "الله أكبر" فينشرح بالركون إليه والفزع إلى حوله لعلمه بأنه هو الذي يدبر الأمر، فيخرج من ضيق الصدر إلى رحاب معيته عز وجل.
وعندما ينادي المؤذن "الله أكبر" ينتبه المسلم إلى أنه – تعالى - فوق ما ينجز من عمل وإلى ضآلة عمله إزاء قدرة الله وتمكينه فيستشعر عبوديته للخالق عز وجل وأن لا توفيق إلا بيده وهو مالك الملك كله فيقيه الغرور.
وعندما يسلم المؤمن قياده لله يدرك أن الصلاة ليست محض حركات تتمثل في القيام أو القعود أو السجود وإنما هي صلة روحية بخالقه وركونٌ إلى التماس هديه وعياذٌ به من وطأة الاكتئاب وقلة الحيلة واليأس والقنوط واستمدادٌ لعزمه على مواصلة العمل مهما تكن الصِّعاب. فالحمد لله أن كرّمنا بالصلاة.
وفي ذكر رحلة الإسراء والمعراج ورد عن رسول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أنه قَالَ: "أُتِيتُ بِالْبُرَاقِ، وَهُوَ دَابَّةٌ - أَبْيَض طَوِيلٌ فَوْقَ الْحِمَارِ وَدُونَ الْبَغْلِ يَضَعُ حَافِرَهُ عِنْدَ مُنْتَهَى طَرْفِهِ - قَالَ فَرَكِبْتُهُ حَتَّى أَتَيْتُ بَيْتَ الْمَقْدِسِ - قَالَ - فَرَبَطْتُهُ بِالْحَلْقَةِ الَّتِي يَرْبِطُ بِهِ الأَنْبِيَاءُ - قَالَ - ثُمَّ دَخَلْتُ الْمَسْجِدَ فَصَلَّيْتُ فِيهِ رَكْعَتَيْنِ ثُمَّ خَرَجْتُ فَجَاءَنِي جِبْرِيلُ - عَلَيْهِ السَّلاَمُ - بِإِنَاءٍ مِنْ خَمْرٍ وَإِنَاءٍ مِنْ لَبَنٍ فَاخْتَرْتُ اللَّبَنَ فَقَالَ جِبْرِيلُ صلى الله عليه وسلم اخْتَرْتَ الْفِطْرَةَ. ثُمَّ عَرَجَ بِنَا إِلَى السَّمَاءِ فَاسْتَفْتَحَ جِبْرِيلُ فَقِيلَ مَنْ أَنْتَ؟ قَالَ جِبْرِيلُ. قِيلَ وَمَنْ مَعَكَ؟ قَالَ مُحَمَّدٌ. قِيلَ وَقَدْ بُعِثَ إِلَيْهِ؟ قَالَ قَدْ بُعِثَ إِلَيْهِ. فَفُتِحَ لَنَا فَإِذَا أَنَا بِآدَمَ فَرَحَّبَ بِي وَدَعَا لِي بِخَيْرٍ. ثُمَّ عَرَجَ بِنَا إِلَى السَّمَاءِ الثَّانِيَةِ فَاسْتَفْتَحَ جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السَّلاَمُ. فَقِيلَ مَنْ أَنْتَ؟ قَالَ جِبْرِيلُ. قِيلَ وَمَنْ مَعَكَ؟ قَالَ مُحَمَّدٌ. قِيلَ وَقَدْ بُعِثَ إِلَيْهِ؟ قَالَ قَدْ بُعِثَ إِلَيْهِ. فَفُتِحَ لَنَا فَإِذَا أَنَا بِابْنَىِ الْخَالَةِ عِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ وَيَحْيَى بْنِ زَكَرِيَّاءَ صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِمَا فَرَحَّبَا وَدَعَوَا لِي بِخَيْرٍ. ثُمَّ عَرَجَ بِي إِلَى السَّمَاءِ الثَّالِثَةِ فَاسْتَفْتَحَ جِبْرِيلُ. فَقِيلَ مَنْ أَنْتَ؟ قَالَ جِبْرِيلُ. قِيلَ وَمَنْ مَعَكَ؟ قَالَ مُحَمَّدٌ صلى الله عليه وسلم. قِيلَ وَقَدْ بُعِثَ إِلَيْهِ؟ قَالَ قَدْ بُعِثَ إِلَيْهِ. فَفُتِحَ لَنَا فَإِذَا أَنَا بِيُوسُفَ صلى الله عليه وسلم إِذَا هُوَ قَدْ أُعْطِيَ شَطْرَ الْحُسْنِ فَرَحَّبَ وَدَعَا لِي بِخَيْرٍ. ثُمَّ عَرَجَ بِنَا إِلَى السَّمَاءِ الرَّابِعَةِ فَاسْتَفْتَحَ جِبْرِيلُ - عَلَيْهِ السَّلاَمُ - قِيلَ مَنْ هَذَا؟ قَالَ جِبْرِيلُ. قِيلَ وَمَنْ مَعَكَ؟ قَالَ مُحَمَّدٌ. قَالَ وَقَدْ بُعِثَ إِلَيْهِ قَالَ قَدْ بُعِثَ إِلَيْهِ. فَفُتِحَ لَنَا فَإِذَا أَنَا بِإِدْرِيسَ فَرَحَّبَ وَدَعَا لِي بِخَيْرٍ قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ {وَرَفَعْنَاهُ مَكَانًا عَلِيًّا} ثُمَّ عَرَجَ بِنَا إِلَى السَّمَاءِ الْخَامِسَةِ فَاسْتَفْتَحَ جِبْرِيلُ. قِيلَ مَنْ هَذَا؟ قَالَ جِبْرِيلُ. قِيلَ وَمَنْ مَعَكَ؟ قَالَ مُحَمَّدٌ. قِيلَ وَقَدْ بُعِثَ إِلَيْهِ؟ قَالَ قَدْ بُعِثَ إِلَيْهِ. فَفُتِحَ لَنَا فَإِذَا أَنَا بِهَارُونَ صلى الله عليه وسلم فَرَحَّبَ وَدَعَا لِي بِخَيْرٍ. ثُمَّ عَرَجَ بِنَا إِلَى السَّمَاءِ السَّادِسَةِ فَاسْتَفْتَحَ جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السَّلاَمُ. قِيلَ مَنْ هَذَا؟ قَالَ جِبْرِيلُ. قِيلَ وَمَنْ مَعَكَ؟ قَالَ مُحَمَّدٌ. قِيلَ وَقَدْ بُعِثَ إِلَيْهِ؟ قَالَ قَدْ بُعِثَ إِلَيْهِ. فَفُتِحَ لَنَا فَإِذَا أَنَا بِمُوسَى صلى الله عليه وسلم فَرَحَّبَ وَدَعَا لِي بِخَيْرٍ. ثُمَّ عَرَجَ بِنَا إِلَى السَّمَاءِ السَّابِعَةِ فَاسْتَفْتَحَ جِبْرِيلُ فَقِيلَ مَنْ هَذَا؟ قَالَ جِبْرِيلُ. قِيلَ وَمَنْ مَعَكَ؟ قَالَ مُحَمَّدٌ صلى الله عليه وسلم. قِيلَ وَقَدْ بُعِثَ إِلَيْهِ؟ قَالَ قَدْ بُعِثَ إِلَيْهِ . فَفُتِحَ لَنَا فَإِذَا أَنَا بِإِبْرَاهِيمَ صلى الله عليه وسلم مُسْنِدًا ظَهْرَهُ إِلَى الْبَيْتِ الْمَعْمُورِ وَإِذَا هُوَ يَدْخُلُهُ كُلَّ يَوْمٍ سَبْعُونَ أَلْفَ مَلَكٍ لاَ يَعُودُونَ إِلَيْهِ ثُمَّ ذَهَبَ بِي إِلَى السِّدْرَةِ الْمُنْتَهَى وَإِذَا وَرَقُهَا كَآذَانِ الْفِيَلَةِ وَإِذَا ثَمَرُهَا كَالْقِلاَلِ - قَالَ - فَلَمَّا غَشِيَهَا مِنْ أَمْرِ اللَّهِ مَا غَشِيَ تَغَيَّرَتْ فَمَا أَحَدٌ مِنْ خَلْقِ اللَّهِ يَسْتَطِيعُ أَنْ يَنْعَتَهَا مِنْ حُسْنِهَا . فَأَوْحَى اللَّهُ إِلَىَّ مَا أَوْحَى فَفَرَضَ عَلَىَّ خَمْسِينَ صَلاَةً فِي كُلِّ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ فَنَزَلْتُ إِلَى مُوسَى صلى الله عليه وسلم فَقَالَ مَا فَرَضَ رَبُّكَ عَلَى أُمَّتِكَ؟ قُلْتُ خَمْسِينَ صَلاَةً . قَالَ ارْجِعْ إِلَى رَبِّكَ فَاسْأَلْهُ التَّخْفِيفَ فَإِنَّ أُمَّتَكَ لاَ يُطِيقُونَ ذَلِكَ فَإِنِّي قَدْ بَلَوْتُ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَخَبَرْتُهُمْ . قَالَ فَرَجَعْتُ إِلَى رَبِّي فَقُلْتُ يَا رَبِّ خَفِّفْ عَلَى أُمَّتِي . فَحَطَّ عَنِّي خَمْسًا فَرَجَعْتُ إِلَى مُوسَى فَقُلْتُ حَطَّ عَنِّي خَمْسًا . قَالَ إِنَّ أُمَّتَكَ لاَ يُطِيقُونَ ذَلِكَ فَارْجِعْ إِلَى رَبِّكَ فَاسْأَلْهُ التَّخْفِيفَ . - قَالَ - فَلَمْ أَزَلْ أَرْجِعُ بَيْنَ رَبِّي تَبَارَكَ وَتَعَالَى وَبَيْنَ مُوسَى - عَلَيْهِ السَّلاَمُ - حَتَّى قَالَ يَا مُحَمَّدُ إِنَّهُنَّ خَمْسُ صَلَوَاتٍ كُلَّ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ لِكُلِّ صَلاَةٍ عَشْرٌ، فَذَلِكَ خَمْسُونَ صَلاَةً . وَمَنْ هَمَّ بِحَسَنَةٍ فَلَمْ يَعْمَلْهَا كُتِبَتْ لَهُ حَسَنَةً فَإِنْ عَمِلَهَا كُتِبَتْ لَهُ عَشْرًا وَمَنْ هَمَّ بِسَيِّئَةٍ فَلَمْ يَعْمَلْهَا لَمْ تُكْتَبْ شَيْئًا فَإِنْ عَمِلَهَا كُتِبَتْ سَيِّئَةً وَاحِدَةً - قَالَ - فَنَزَلْتُ حَتَّى انْتَهَيْتُ إِلَى مُوسَى صلى الله عليه وسلم فَأَخْبَرْتُهُ فَقَالَ ارْجِعْ إِلَى رَبِّكَ فَاسْأَلْهُ التَّخْفِيفَ . فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَقُلْتُ قَدْ رَجَعْتُ إِلَى رَبِّي حَتَّى اسْتَحْيَيْتُ مِنْهُ".
لمزيد من الاطلاع:
https://asmaanawar.com/are-we-truly-responsible-for-words-we-utter/