ليتنا كنا نعيش في سيرك!
دعاني أخي لدخول السيرك مع أسرته وما كنت أتوقع أنني سأستمتع مثلما استمتعت فقد كانت تجربة مثيرة للغاية بالنسبة لي أنستني كل ما يشغلني، وعلى الرغم من اعتياد أبي – رحمه الله – على اصطحابنا إلى السيرك ونحن صغار فلا أذكر أنني استمتعت مثلما استمعت هذه المرة، ربما كان مرجع ذلك إلى ظهور مشاعر طفولة فياضة بداخلي تلك المشاعر التي تسعدني أيما سعادة، وربما أنني نظرت إلى السيرك هذه المرة بتأمل وتدبر فجذبني عالمه إذ لاحظت أن هذا العرض المثير قائم على فريق عمل من الطراز الأول لا يهم أعضاؤه إلا تحقيق هدفهم الذي اتفقوا عليه جميعًا وهو إمتاع الجمهور والتربح من هذا، فوددت لو نعيش كلنا في سيرك نتفق فيه على هدف ونسعى بكل طاقتنا إلى تحقيقه مهما كانت الصعوبات أو العراقيل.
في البداية عندما أخذنا مقاعدنا الأمامية في الصالة إذا بشخص يتجول وعلى كتفه نسناس وبصحبته رجل يحمل كاميرا لمن يريد التقاط صورة مع ذلك الحيوان الأليف ثم اُفتتح العرض بالنشيد الوطني وأمام أعيننا عجلة جمباز ضخمة من الصلب وهي مكونة من إطارين يصل قطر الواحد منهما إلى ما يفوق المتر والنصف ويصل ارتفاع الإطارين رأسًا إلى ما يقرب من عشرة أمتار، ودخل رجلان في إطاري العجلة بعد تحية الجمهور وراحا يقدمان عروضًا بهلوانية في غاية المتعة والإثارة إلى درجة تثير الرعب أحيانًا، وبعد انتهاء العرض قام الذي كان يحمل النسناس والمصور ومعهما أربعة آخرون بفك العجلة الضخمة وجرها للداخل بسلاسة ومهارة فائقة.
وقد لاحظت أن واحدًا ممن جروا العجلة قام بدور الساحر وتعجبنا من حيله، وآخرين قدما عروضًا نارية مذهلة بعدها دخلنا في استراحة قصيرة ظهر شبلٌ يحمله من كان يحمل النسناس ومعه المصور نفسه وراحا يتجولان في الصالة من جديد لإمتاع الجمهور والتربح من التقاط الصور مع الشبل.
واستهل المهرج الجزء الثاني من العرض وظهر علينا بوجهه وملبسه وحذائه وحركاته التي أثارت كلها ضحك الجمهور فضلًا عن تمكنه من التحدث بصفارته وراح ينتقي ستة أطفال من الجمهور من كل جوانب الصالة ليشاركوه اللعب، ولما لاحظ إقحام أبوين ابنهما ضمن الأطفال الذين اختارهم اعترض على نحوٍ مضحك لا يخلو من جدية بصفارته معتقدًا بذلك أنه يطبق العدالة.
ثم أتى دور الرقص بالطوق أو ما يُعرف برقصة (الهولا هوب) فظهرت فتاة في منتهى الليونة والرشاقة فجابت منصة العرض وحلقت في سمائها بأطواقها وحبالها – التي ساعدها زملاؤها في التناوب عليها - على نحوٍ جعلنا مشدوهين.
وقد فاجأنا المصور في فقرة السير على الحبل المشدود وكان بطلها بتمكنه، وقد دب من حركاته الرعب في أنفسنا، كما أدهشنا وأصابنا بالرهبة توازن أحد أعضاء الفريق وهو يقف على أجسام متحركة يضعها بالتدريج ليدخلنا عالم التحدي خطوة خطوة والتي وصل طولها إلى ما يقرب من مترين.
بعدها خفت ضوء الصالة وتحولت منصة العرض إلى خلية نحل تكاد تضم كل أعضاء الفريق فراح كل واحد يحمل ما يشبه بابًا من الحديد به مشابك تتعلق بالباب الذي سيوضع بجواره وهكذا إلى أن أحاطوا المنصة بسياج من الحديد حتى صارت أشبه ما تكون بالقفص ثم أطفئوا أنوار الصالة تمامًا وطلبوا إلى من يجلسون في المقاعد الأمامية إلى أن يتراجعوا مسافة متر حرصًا على سلامتهم.
وعلت موسيقى تبث الرهبة في النفس إيذانًا بدخول الملك، ملك الغابة الذي سبق زئيره مدخله، وعندما أُضيئت الصالة وجدنا أعضاء الفريق وقد كونوا سياجًا التفوا حوله ناظرين إلى الجمهور لصد ما لا تُحمد عقباه، وإذا بنا نجد أمامنا ثمانية أسود ومدربهم فقط داخل القفص واستمتعنا بطواعية الوحوش لمدربهم وانتهى العرض عند ذلك، ولكن أثره لم ينته في نفسي فظللت أسترجع روعة أداء أعضاء الفريق وتناغمه، فقد حددوا هدفهم وتعاهدوا أن يتعاونوا على تحقيقه مهما كانت الصعوبات، فتناوبوا الأدوار حتى كان أحدهم يؤدي دور البطل مرة ودور الكومبارس مرة أخرى، كل ذلك من أجل تحقيق الهدف.
أوليس ذلك باعثًا لي على تمني أن أجد أمتنا تعيش في سيرك؟!
لمزيد من الاطلاع:
https://asmaanawar.com/journey_to_my_website/