أكتوبر 16, 2024

|

بواسطة: Jihad Muhammad

|

Categories: قلم يقرأ

إسلام بلا مذاهب_القوة الرحيمة في الإسلام

أسماء راغب نوار | إسلام بلا مذاهب_القوة الرحيمة في الإسلام

القوة الرحيمة في الإسلام: 

الطابع العام للشريعة اليهودية يميل إلى القوة والعنف، والطابع العام للمسيحية ينحصر في الرحمة والسلام، ولما كانت الحياة لا تنتظم إلا بالطرفين من كل شيء، فقد جاء الإسلام يمجد القوة حيث ينبغي أن تكون القوة، ويمجد الرحمة حيث ينبغي أن تكون الرحمة، ولذلك فإن الله - تعالى - يصف ذاته بالقوة في قوله تعالى: ﴿وَكَان اللَّهُ قَوِيًّا عَزِيزًا﴾. ويصف ذاته بالرحمة في قوله تعالى: ﴿وَكَانَ بِالْمُؤْمِنِينَ رَحِيمًا﴾. فصفة القوة جاءت حيث ينبغي أن تكون القوة، وصفة الرحمة جاءت حيث ينبغي أن تكون الرحمة.

والرسول الكريم يدعوه الله إلى الرحمة ولين الجانب والشورى، فيقول تعالى في سورة آل عمران: ﴿فَبِمَا رَحْمَةٍ مِّنَ اللَّهِ لِنتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ﴾، سورة آل عمران: 159

ومن سمات الرحمة في الإسلام والدعوة إليها خطاب الله إلى المؤمنين في قوله تعالى في سورة آل عمران: ﴿وَلْتَكُن مِّنكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ﴾، الآية: 104 

وإذا ما تعلق الأمر بالدين والدعوة إليه فإن ذلك ينبغي أن يكون بطريق الرحمة والتلطف والترغيب لا العنف والإكراه، ذلك لأن طبيعة الدين وسماحته خير داعية له: ﴿لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ﴾، البقرة: 256. ﴿ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ﴾، النحل: 125. 

كل هذه الرحمة من صلب الدين الإسلامي وروحه، ولكن إذا حزب الأمر وتعرض المسلم للخطر أصبح من المحتم عليه أن يخلع ثوب الرحمة واللين وأن يركب المراكب الخشنة، فالمسلم رحيم على قومه وأهله وجيرانه، ورحيم على أهل الكتاب ما لم يظهر منهم الاعتداء، ولكن إذا حاول الكفار الاعتداء كانت هذه الآية خير مصور لواقع الحال: ﴿مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ﴾: الفتح: 29. 

والإسلام يكره الخنوع والمذلة والاستضعاف، فهو يدعو إلى الرحمة العزيزة التي لا تنتهي بالمسلم إلى الذل والضعف، ويطالب المسلم أن يعيش سيدًا مستقلًا غير ذليل. وإلا فالهجرة واجبة حتى يستعد ويستعيد أرضه، كما حدث للمسلمين الأولين حينما هاجروا إلى الحبشة ثم إلى المدينة حتى تجهزوا للنصر، فعادوا إلى مكة فاتحين ظافرين، فإن الله تعالى يقول في سورة النساء: ﴿قَالُوا فِيمَ كُنتُمْ قَالُوا كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الْأَرْضِ قَالُوا أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللَّهِ وَاسِعَةً فَتُهَا جِرُوا فِيهَا﴾: النساء: 97. 

ثم تأتي الدعوة إلى القوة والعزة في قوله تعالى: ﴿وَأَعِدُّوا لَهُم مَّا اسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّةٍ وَمِن رِبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ، عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ﴾: الأنفال:60. ويحض الرسول على القوة فيقول: ﴿المسلم القوي خير عند الله من المسلم الضعيف﴾.

وهكذا جاء الإسلام وسطًا يدعو إلى الرحمة ولا يغفل القوة، وهو حينما يدعو إلى القوة يدعو إليها بعبارات تخاطب القلب وتنفذ إلى الوجدان فتهز المشاعر هزًّا عنيفًا. ولذلك فإن كبير المستعمرين ﴿جلادستون﴾ كان يقول للإنجليز: لن تستطيعوا أن تستعمروا المسلمين مادام هذا الكتاب بين ظهرانيهم، يقصد القرآن الكريم، ولذلك فإن حرب الإنجليز على القرآن ومحاولة محوه من قلوب المسلمين من أخس الحروب وأحط الخطط، لكنهم ليسوا بمستطيعين أن يفعلوا به شيئًا، لأن الله اتخذ على نفسه عهدًا بالمحافظة عليه: ﴿إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ﴾: الحجر: 9. 

 ولذلك فقد حق لنا أن نصف الإسلام بأنه دين القوة الرحيمة. 

مكانة المرأة في الإسلام:

المرأة نصف المجتمع الإنسانى، وهي الأم والأخت والابنة والزوجة والخالة والعمة، إذا صلح أمرها صلح نصف المجتمع، بل صلح المجتمع كله، لأن الطفل من ذكر أو أنثى يظل موضع رعاية أمه حتى يبلغ مبلغ اليفاع، غير أنه في سنواته الأربع أو الخمس الأولى يكون رعية أمه رعاية كاملة. فإن كانت الأم صالحة صلحت رعيتها، وإن كانت غير ذلك فإننا لا ننتظر منها إلا ناشئة فاسدة متفسخة لا تنهض بمسئولية ولا يرجى منها خير.

والإسلام دين الفطرة الإنسانية لا شك، وهو دين العمل الذي يجمع إلى شئون الآخرة أمور الدنيا، ويجمع إلى التقوى والتقشف الأخذ بأسباب الاستمتاع بالحلال من الطيبات، ثم هو في صلب تشريعه وأصل بنيته عمد إلى بناء المجتمع بناء سليمًا يمنعه من التردي، ويحول بينه وبين التعرض لأسباب الفساد إذا ما طبقت بصدق روح شريعته، ونفذت بإخلاص مبادئه وتعاليمه. أما والأمر كذلك فإنه كان حتميا أن يكون للمرأة في ظله مكانة، وأن يكون لها في نطاق تعاليمه اهتمام، وأن هذه المكانة وذلك الاهتمام يضعانها في المكان اللائق بها كمخلوق كريم يشكل نصف المجتمع، ويحتل فيه موقع الأم والأخت والابنة، والزوجة، والعمة والخالة. 

القرآن والحديث يكرمان المرأة

ومن هنا كانت الأحكام الإسلامية فيما يتعلق بالمرأة في نطاق الآيات القرآنية الكريمة والأحاديث النبوية الشريفة من الكثرة والوفرة بمكان. قال تعالى: ﴿ووصينا الإِنسَانَ بِوَالِدَيْهِ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْنا عَلَى وَهْنٍ وَفِصَلُهُ فِي عَامَيْنِ أَنْ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَى الْمَصِيرُ﴾، لقمان: 14.

﴿وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِندَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلَاهُمَا فَلَا تَقُل لَّهُمَا أُفٍّ وَلَا تَنْهَرْهُمَا وَقُل لَّهُمَا قَوْلًا كَرِيمًا * وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُل رَّبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا﴾، الإسراء: 23-24

﴿وَمِنْ ءَايَتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ﴾، الروم: 21

﴿هُوَ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَجَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا لِيَسْكُنَ إِلَيْهَا﴾، الأعراف: 189

يَأَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا﴾، النساء: أولى آياتها

﴿فَاطِرُ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ جَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا وَمِنَ الْأَنْعَامِ لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ﴾، الشورى: 11

وأما الرسول ﷺ فإن ما أثر عنه من تكريم للمرأة فعلًا وقولًا فهو من الوفرة بمكان، فقد قال صلاة الله عليه وسلامه:

«ما أكرم النساء إلا كريم ، ولا أهانهنَّ إلا لئيم» . 

«أكمل المؤمنين إيمانًا أحسنهم خُلُقًا، وخياركم خياركم لنسائهم».

 «من كان له ابنة فأدبها فأحسن تأديبها، وغذَّاها فأحسن غذاءها، وأسبغ عليها من النعمة التي أسبغ الله عليه، كانت له ميمنة وميسرة من النار إلى الجنة﴾.

ويكرم الرسول صلوات الله عليه وسلامه المرأة فى نطاق أمومتها، فيقول في الحديث الموصول الإسناد ﴿الجنة تحت أقدام الأمهات﴾ ويقول في حديث آخر: «إن الله يوصيكم بأمهاتكم، ثم يوصيكم بأمهاتكم، ثم يوصيكم بأمهاتكم، ثم يوصيكم بالأقرب فالأقرب».

وهناك قصة الحديث المشهور الموصول الإسناد الذي يتمثل في مجىء رجل إلى الرسول ﷺ فسأله: «يا رسول الله، من أحق الناس بحسن صحبتي؟ قال: أمك، قال ثم من؟ قال: أمك، قال: ثم من؟ قال: أمك، قال: ثم من؟ قال: أبوك». وإذا كان مصدر العقيدة الإسلامية ومنبع تشريعها هما الكتاب والسنة، فإن المرأة قد احتلت فى نطاق تلك العقيدة كل اهتمام وعناية مجموعتين في إطار من الإعزاز والإكبار والتكريم. 

 المرأة عند أصحاب الحضارات القديمة

 وإذا كان لنا أن ندلف إلى تفاصيل موقف الإسلام من المرأة، أو بالأحرى مكانة المرأة في الإسلام، فإنه من الإنصاف للحقائق كلها، من تاريخية واجتماعية ودينية، أن نعرض لمكانة المرأة في المجتمعات غير الإسلامية على مر الأزمنة - في شيء من الإيجاز - بما في ذلك مكانتها عند العرب أنفسهم قبل الإسلام، وليس ذلك من قبيل الموازنة أو  المقارنة ، فليس من ذلك شيء في حسباننا، وإنما من باب وضع الأمور في نصابها، ما دام هناك من أصحاب الهوى من أرادوا تصوير المرأة في ظل الإسلام صورة غير كريمة، بريئة من كل حقيقة، بعيدة عن كل عدل ونصفة، ذلك أن الواقع التاريخي يقول إن المرأة لم تلق من الذل والهوان قدر ما لقيته خارج النطاق الإسلامي، ولم تنل من تكريم أو تعظيم قدر ما نالته في رحاب هذا الدين، وهو ما يترجم عنه العقاد - وهو معروف بخصومته للمرأة - بقوله: لقد جاء القرآن الكريم بحقوق مشروعة للمرأة لم يسبق إليها دستور شريعة أو دستور دين، وأكرم من ذلك أنه رفعها من المهانة إلى مكانة الإنسان المعدود من ذرية آدم وحواء، بريئة من رجس الشيطان ومن حطة الحيوان .

كانت المرأة عند اليونانيين القدامى - وهم أكثر الدول تمدنا وأخذًا بأسباب الحضارة مسلوبة الحرية، معدومة المكانة في كل ما يتصل بالحقوق الشرعية، بل إن فيلسوفًا كبيرًا مثل أرسطو كان يعيب على أهل إسبرطة أنهم يتساهلون مع نساء عشيرتهم ويمنحونهن بعض الحقوق التي تفوق أقدارهن. وربما ظن ظان أن عبارة أرسطو قد تفسر على أنه كان للمرأة قسط من الحرية عند الإسبرطيين، فذلك شيء لم يحدث، وإنما كانت المرأة مضطرة إلى التصرف في أضيق الحدود في غيبة الأزواج والآباء في القتال، فإن بيئة إسبرطة كانت بيئة عسكرية كما نعرف، هذا وتذهب بعض المصادر - ربما انسجامًا مع رأى أرسطو في حرية المرأة الإسبرطية - إلى أن المرأة الإسبرطية كان لها الحق في أن تتزوج بأكثر من رجل واحد، وكانت أكثر النساء يمارسن هذه العادة.

وأما عند الأثينيين، وهم أكثر الدول القديمة تمدنا وأخذًا بأسباب الحضارة، فكانت المرأة مجرد مملوكة أو قطعة من الأثاث تباع وتشترى بيع السائمة والعقار، وكان ينظر إليها نظرة ازدراء واحتقار، وكان من حق الأثيني أن «يقتني» أو «يتملك» أي عدد من النساء بلا قيد ولا شرط، وكان الأثيني يتفاخر بوجود ثلاث طبقات من النساء في نطاق أمته، طبقتان منها تشكل الزوجات الشرعيات ونصف الشرعيات والباقيات بطبيعة الحال وهن الثلث يشكلن طبقة البغايا. 

ولم تكن المرأة عند الرومان بأحسن حالاً من أختها عند اليونان، فقد كان تعدد الزوجات تقليدًا من تقاليد الشرف والامتياز، ولم يزل أمر الانتصارات المصحوبة بألوان الترف والفخامة أن جعلت من قدسية الزواج مجرد كلمة لا معنى لها عند الرومان. وأصبح تعدد الزوجات أمرًا قانونيًّا، ولم يقف الأمر عند ذلك الحد، بل تطور في المجتمع إلى أن أصبح التسرى واتخاذ العشيقات الكثيرات العدد شيئًا تعترف به الدولة، والنتيجة الحتمية لذلك كانت ضياع المرأة ثم انزلاقها إلى مهاوى البيع والشراء.

هذا وقد كان للرومان شعارهم فيما يتعلق بالمرأة، وهو أن قيدها لا ينزع، ونيرها لا يخلع، ومن ثم فإن المرأة فى هذا المجتمع الغريب لم تسترد حريتها إلا مع تحرر العبيد.

وإذا ما انتقلنا إلى الأمم الشرقية فإن الأمر لم يكن بأفضل حالاً منه في البيئة الأوربية إن لم يكن أكثر سوءًا، إذ لم يكن هناك أى تحديد لعدد الزوجات عند الهنود والميديين والبابليين والأشوريين والفرس، ففى الهند لم يكن للمرأة أية حقوق في المعاملات، بل لم يكن لها حق فى الحياة نفسها إذا مات زوجها، فقد كان محتومًا عليها أن تموت يوم موته، وأن تحرق وهي حية مع جثته على موقد واحد.

وأما بابل التي يعتبر بعض مؤرخى الحضارات أنها ضربت في أسباب التقدم بسهم وافر منذ القدم فى ظل شريعة حمورابي، التي اعتبرت شريعة متقدمة بالقياس إلى غيرها من شرائع الأمم المعاصرة لها أو السابقة عليها، فإن المرأة لم يكن لها نصيب من الحرية أو الكيان في ظلها، وإنما كانت تحسب في عداد الماشية المملوكة.

وكان مركز المرأة عند الفرس - على حضارتهم، فيما يذكر الكاتب التركستاني أحمد أجايف - أكثر سوءًا وأبعد امتهانًا، ذلك أنها لم تكن تتميز عن الأمة المملوكة في شيء، تظل طيلة حياتها سجينة بين جدران منزلها أو منزل زوجها لا يحق لها أن تخرج منه، كما كانت تباع وتشترى فى كثير من الأحيان، هذا فضلاً عن الخروج في التعامل معها عن حدود المألوف فى عالم الإنسان، بل في بعض عوالم الحيوان، فقد أبيح الزواج بالأمهات والأخوات والعمات والخالات وبنات الأخ وبنات الأخت، ويزداد امتهان المرأة في المجتمع الفارسي القديم بعدًا عن الإنسانية، وذلك بأن تنفى الأنثى في فترة الطمث إلى مكان بعيد خارج المدينة، ويظل مقضيا عليها بأن تقيم في خيمة تعرف باسم داخمي، ولا يجوز لأحد مخالطتها، إلا الخدم الذين يقدمون لها الطعام، وحتى هؤلاء كانوا يضعون لفائف من القماش حول أنوفهم وآذانهم وأيديهم خشية النجاسة إذا مسوا المرأة أو لمسوا خيمتها، والمرأة الفارسية فضلًا عن ذلك كله كانت تحت سلطة الرجل المطلقة، يحق له أن يحكم عليها بالموت أو ينعم عليها بالحياة .

وإذا ما انتقلنا إلى الديانات السماوية قبل الإسلام فسوف نجد أن المرأة لم تأخذ حقها من الحرية الشخصية أو الميراث أو حرية الزواج في كثير من الحالات، فليس للبنت في الشريعة اليهودية نصيب في تركة أبيها إذا كان له عقب من الذكور، وإذا آل ميراث إلى بنت فإنه لا يؤول إليها من قبيل الشفقة أو التنظيم الاجتماعي، ولكن الضرورة تكون قد حتمت ذلك لعدم وجود إخوة لها من أبيها، ولا يقف الأمر بالفتاة التي اقتضت الضرورة أن تجعلها وارثة لمال أبيها عند حد الميراث، ولكنها تفاجأ ـ مادامت أصبحت وارثة - بقيد لم تكن تتوقعه، وهو أنه لا يحق لها أن تتزوج من سبط آخر، وبالتالي لا يحق لها أن تنقل ميراثها إلى نطاق أسرة ليست من رهطها. ومن الطريف أن العقاد وقد نذر الكثير من جهده للرد على أباطيل الغربيين الذين يعمدون إلى إلصاق أمور إلى الإسلام هو منها براء، ما يكاد يطرق هذا الموضوع حتى يشير إلى أولئك المؤرخين الغربيين الذين يزعمون أن الإسلام ينقل شريعته من الشرائع السابقة، وخصوصًا الشريعة الموسوية، ويقول إنه لا يتضح بطلان هذه الدعوى من شيء كما يتضح من المقابلة بين مركز المرأة في حقوقها الشرعية كما نصت عليها كتب التوراة ، ومركز المرأة في حقوقها الشرعية التي أقرها الإسلام بأحكام القرآن وفي نطاق الزواج فإن اليهود قد كانوا يجمعون من الزوجات بغير تحديد، واستمر التعدد بلا حدود بعد مجيء موسى عليه السلام، ثم لم يلبث الحاخامات أن اختلفوا على أنفسهم، فبينما حدد الربانيون عدد الزوجات أطلقه القراءون بغير حدود ورفضوا مبدأ التحديد .

وحتى في ظل المسيحية حين سقطت الدولة الرومانية، وكان مجتمعها مجتمع شهوات وفساد وترف، سرت عند الناس موجة من الزهد وكراهية الذرية، والإيمان بنجاسة الجسد ونجاسة الذرية، وباءت المرأة بلعنة الخطيئة، فكان الابتعاد عنها حسنة مأثورة لمن لا تغلبه الضرورة، وانشغل بعض اللاهوتيين إلى القرن الخامس الميلادي بالبحث في جبلتها، وتساءلوا فى «مجمع ماكون»: هل المرأة جثمان بحت أو هي جسد ذو روح يُناط به الخلاص والهلاك؟ وغلب على آرائهم أنها خلو من الروح الناجية، وليس هناك استثناء لذلك بين جميع بنات حواء من هذه الوصمة إلا سيدتنا مريم أم المسيح عليه السلام .

ذلك هو مقام المرأة ووزنها وطرق معاملتها فى نطاق الأمم ذات الحضارات والمبادئ والقيم، وهو مقام كريه، محاط بكل أسباب الضعة والظلم، والتحقير والازدراء. فإذا ما عرضنا للمجتمع العربى قبل الإسلام وجدناه لا يقل قسوة في معاملة المرأة وامتهانها عن المجتمعات الأخرى، إلا في حالات قليلة، ومع بعض الحرائر من نساء سادات العرب، فالمجتمع العربي كان يقتل الطفلة بوأدها وهي وليدة، وتلك جريمة من أبشع الجرائم الإنسانية والخلقية، وكان كثير من سادات العرب يفخرون بذلك، فهذا قيس بن عاصم المنقري يعترف أمام الرسول الله أنه وأد بضع عشرة بنتا من بناته في الجاهلية. وقد استفظع الرسول صلوات الله عليه وسلامه هذا العمل، وفرض عليه كفارة مقدارها عتق نفس عن كل موءودة، مع أن الوأد تم قبل إسلام قيس .

وقد استبشع القرآن الكريم هذه الفعلة الوحشية فوصفها في قوله تعالى:

﴿وَإِذَا بُشِّرَ أَحَدُهُم بِالْأُنثَى ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدًا وَهُوَ كَظِيمٌ * يَتَوَارَى مِنَ الْقَوْمِ مِن سُوءِ مَا بُشِّرَ بِهِ أَيُمْسِكُهُ عَلَى هُونٍ أَمْ يَدُشُهُ فِي التَّرَابِ أَلَا سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ﴾، النحل: 58-59

وفي بعض القبائل كان الرجل إذا مات ورث ولده - بين ما يورث - نساءه جميعًا، ويكن له متعة كما كنّ لأبيه من قبله، أى أن المرأة كانت تورث بين تركة الرجل كما تورث سائمته وإبله. 

هذا ولم يكن من حق النساء أن يرثن من مال آبائهن كما يرث البنون، وذلك إما امتهانًا للمرأة من حيث كونها امرأة، وإما لأنه كان يُخشى أن ينتقل الإرث إلى الأعداء إذا ما زوجت البنت في قبيلة معادية، وفى ذلك يقول عمر مستنكرًا: والله إنا كنا في الجاهلية ما نعد للنساء أمرًا حتى أنزل الله فيهن ما أنزل، وقسم لهن ما قسم.

ومن المؤسف أن عادة حرمان الابنة من الميراث لا تزال شائعة في بعض البيئات العربية حتى اليوم، وذلك امتداد الجاهلية تاريخها لأكثر من خمسة عشر قرنا من الزمان، فما زالت بعض الأسر الغنية في ريف مصر وسورية والعراق تسير على هذا النهج الكريه خشية انتقال المال من الأسرة إلى أسرة غريبة قد تكون غير صديقة أو تكون معادية.

بل إن بعض الصحابة - وهم قليل لحسن الحظ - لم يستطع أن يخلع عن نفسه بسهولة كراهية الابنة الأنثى، ولعل هذا الحوار المشهور بين عمرو بن العاص ومعاوية ابن أبي سفيان يترجم عن ذلك، فقد دخل عمرو بن العاص على معاوية وبين يديه طفلته عائشة، فقال: من هذه؟ فأجابه معاوية: هذه تفاحة القلب. فقال عمرو: انبذها عنك فوالله إنهن ليلدن الأعداء ويقربن البعداء، ويورثن الضغائن. فقال معاوية - وكان معروفًا بالعقل والهدوء -: ﴿لا تقل ذلك يا عمرو، فوالله ما مرض المرضى ولا ندب الموتى ولا أعان على الأحزان مثلهن، ورُبَّ ابن أخت قد نفع خاله.

 

يمكنك قراءة المزيد من هنا

يمكنك متابعتنا من هنا

اقرأ ايضا

حكاية طوفان الأقصى - لماذا ستنتصر غزة؟