يناير 7, 2023

|

بواسطة: asmaa

|

Categories: قلم يفكر

هكذا علمني دكتور محمد عناني

أسماء راغب نوار | هكذا علمني دكتور محمد عناني

بعدما تخرّجت في قسم اللغة الإنجليزية بكلية الآداب جامعة عين شمس التحقت ببرنامج اكتساب المهارات الأساسية في مجال العمل (Basic Business Skills Acquisition) الذي كان منحة من جمعية جيل المستقبل (FGF) لشباب الخريجين وذلك لتهيئتهم لسوق العمل. وفي الواقع أنني مدينة لهذه المنحة، فقد دَرَّبتْ من حصل عليها على مهارات العمل إلى حدٍّ كبير. وأذكر أن المدربة الرائعة التي كانت تُدرِّب فصلي كانت تذكرنا دائمًا بأننا هنا لاكتساب مهارات وليس علمًا أو معرفة. وكان من شروط الحصول على شهادة اجتياز هذه المنحة هو إيجاد فكرة لمشروع وعمل دراسة جدوى له، وكان فصلنا مكوَّنًا من 15 خريجًا ومُقسَّمًا إلى ثلاث مجموعات ولكل مجموعة فكرة لمشروع، وكل عضو في الفريق مسؤول عن قسم منه بناء على رغبته أو تخصصه، فمثلًا، خريج كلية التجارة عُهد إليه بمسئولية دراسة الجدوى وحساب التكاليف أما أنا فكان دوري ترجمة محتوى المشروع من معلومات استجمعها الفريق عن إمكانية إنجازه على أرض الواقع، وكان ذلك من اللغة العربية إلى الإنجليزية التي سنعرض بها مشروعنا. فأعجبتني وظيفة المترجمة جدًا بعد الانتهاء من المنحة، وأصررت على مزاولتها حتى بعد تلَّقي عروض من شركة فودافون وموبينيل (شركات المحمول في مصر حينئذ) بعد ترشيح الجمعية لي.

ورحت أفكر كيف أعمل مترجمة، خاصة وأن كليتي كانت تدرِّس لنا مادة الترجمة بشكل عرضي على عكس ما لاحظته فيما بعد في قسم اللغة الإنجليزية في كلية الآداب بجامعة القاهرة حيث إنه يؤهل الطالب لمزاولة المهنة باحتراف، وانتهيت إلى الذهاب إلى دكتور محمد عناني، مؤلف كتاب "فن الترجمة" الذي اشتريته من معرض الكتاب والذي أفادني أيما إفادة، ولمس أهدافي، ليرشدني إلى الطريق نحو مزاولة المهنة.

وذات صباح من عام 2005 قصدت جامعة القاهرة لمقابلة دكتور عناني ومن حسن حظي كان على وصول فاستقبلني بترحاب لا أنساه، ولما حكيت له عن أسباب المقابلة وأنني أود العمل بالترجمة رد عليّ بنبرة تشجيعية: "وما رأيك في دراسة الترجمة والتدرُّب عليها؟" قلت له: "يا ليت، وكيف يتحقق ذلك؟" فقال: "إحنا هنا عندنا دبلوم في الترجمة، تعالي في شهر أغسطس لمعرفة موعد اختبار القبول للالتحاق بالدبلوم إن شاء الله".

ولما نقلت له أسفي لافتقار آداب عين شمس الاهتمام بمادة الترجمة مثلما تهتم آداب القاهرة رد عليّ بنزاهة العالم البعيدة عن التعصب لكليته قائلًا: "لكنهم بيعلموكم كويس!".

ومنذ ذلك اليوم عرفني دكتور عناني، ورحب بي عندما التحقت بدبلوم الترجمة وتدربت على يده وغيره من أساتذة نوابغ في الترجمة لمدة عامين كانا من أجمل أيام حياتي فعلًا وأمتعها على الرغم من أن يومي كان مشحونًا للغاية فقد كنت أعمل في الصباح وأدرس في المساء؛ إذ كانت المحاضرات تُذهب أي تعب أو معاناة وأبرزها محاضرات دكتور عناني فقد كان يستحوذ على انتباهي بعلمه وطريقته في ربط الأمور.

وكان رحمه الله لا يبخل بعلمه أبدًا أو بخبرته، وكنت أستشيره وأنهل من خبرته حتى بعد انتهاء الدراسة وقد أعطاني رقم هاتفه.

وأذكر أنه مرّ بأزمة صحية حكى لي عنها على نحوٍ من الرضا لمسني وتأثرت به، فما ملكت إلا أن أدعو له: "أسعدك الله دائمًا وأبدًا يا دكتور"، فانتبه لي ورد برجاء عميق: "يا رب يا أسما يا رب"!

كل ما أرجوه لدكتور عناني اليوم أن يسعد بلقاء ربه وبمقعده من الجنة.

لمزيد من الاطلاع:
https://asmaanawar.com/rose-thorns/