مارس 1, 2023

|

بواسطة: asmaa

|

Categories: قلم يقرأ

رحيق العمر-السيرة الذاتية لجلال أمين

أسماء راغب نوار | رحيق العمر-السيرة الذاتية لجلال أمين

الكاتب: جلال امين

الناشر: دار الشروق

رحيق العمر-السيرة الذاتية لجلال أمينرحيق العمر-السيرة الذاتية لجلال أمينرحيق العمر-السيرة الذاتية لجلال أمين

كانت تجربتى مع كتاب «ماذا علمتنى الحياة»، تجربة شيقة وسارة في مجملها، على الرغم مما أصابني قبل نشر الكتاب من قلق، وبعد نشره من بعض الأسف.

كنت أتشوق إلى ظهور هذا الكتاب أكثر مما تشوقت لظهور أي كتاب أو مقال سابق لى، كما كنت أتهيب ردود الفعل لدى القراء أكثر من خوفى من رأيهم في أي شيء كتبته من قبل. كان الفارق بين هذا وذاك يشبه الفرق بين أن تلقى على مجموعة من الناس خبرًا، وبين أن تحكى لهم قصة ترجو أن يجدوها طريفة. الخبر لا يهمك كثيرًا ما إذا تلقاه الناس باهتمام أو بغير اهتمام، أما القصة فيتوقف نوع استجابتهم لها على مهارتك في إلقائها، وعلى ذكائك (أو غبائك) في اختيارها دون غيرها، وعلي خفة ظلك أو ثقله في طريقة إلقائها.

أضف إلى هذا أن السيرة الذاتية قد تحتوى (وهى كذلك في حالتى) على بعض الحقائق أو الفضائح المتعلقة بأشخاص قريبين إليك (وعزيزين عليك أيضًا)، فيشوقك أن تعرف ما إذا كنت قد أصبت أم أخطأت بذكر هذه الفضائح أصلًا، وما إذا كان من الخطأ أو الصواب البوح بآرائك الحقيقية في آخرين، بعضهم لا زال على قيد الحياة، ومن مات منهم لا زال لهم أبناء وبنات على قيد الحياة. والشخصيات العامة التي تكتب رأيك  فيها، لا أنصار أشداء أو أعداء أشداء أيضًا؛ فالبوح برأيك فيها لا بد أن يغضب هؤلاء أو أولئك. فهل أخطأت في تقييم هذا السياسى الخطير أو ذاك، وهل جاوزت الأدب في الكلام عن هؤلاء الأشخاص المهمين؟ وإذا كان منهم من يعرفك شخصيًّا ويعتبرك صديقًا له، أو يعتقد أنه صاحب فضل عليك، فهل يجوز أن تنتقده وتكشف عيوبه (أو ما تظن أنها عيوبه)، وكأنك بذلك تخون شخصًا كان مطمئنًا لك، أو تعض اليد التي أحسنت إليك؟ فإذا أغضبت بعض الناس بذكر الحقيقة (أو ما تظن أنه الحقيقة)، فهل يستحق الأمر كل ذلك ألا يجب أن تُحجب بعض الحقائق عن الناس إلى الأبد؟ أو كما يقول أبي في مقدمة سيرته هو (حياتى، 1950): «إذا كنا لا نستسيغ عرى كل الجسم، فكيف نستسيغ عرى كل النفس؟».

كان هذا يقلقنى حتى بعد أن سلمت مخطوطة الكتاب إلى الناشر. ومع هذا فلابد أن أعترف للقارئ بأنى بعد أن قمت بحذف ما اعتبرت ذكره غير لائق، وأن النفع الذى قد يأتي من ذكره أقل من الضرر، كان قلقى من احتمال أن يكون ما قلته شيئًا تافهًا، أكبر بكثير من قلقى من أن يكون ما قلته جارحًا أو ظالمًا. إن لدىّ شعورًا قويًّا بأن الأخطاء (أو معظمها على الأقل) يجب أن تكشف، وأن المخطئ لا بد أن يعاقب بما يتناسب مع خطئه. وذكر الخطأ على الملأ هو نوع من العقاب. كما أن لدىَّ شعورًا قويًّا بأننا كلنا قد ارتكبنا أخطاء كثيرة خلال حياتنا (ولا نزال نرتكبها) إما لأننا كنا (أو مازلنا) أقل حكمة مما يجب، وإما أصغر سنًّا من أن نستطيع التمييز بين الخطأ والصواب، وإما لأننا جميعًا بنا من أوجه الضعف الإنسانى ما يدفعنا دفعًا إلى الخطأ مهما حاولنا تجنبه. إنى أعتقد أيضًا أن علينا، على الرغم من كل ذلك، أن نقبل هذه الحقيقة دون ضغينة ودون مبالغة في الندم أو الشعور بالذنب. فالفرق بيننا ليس فرقًا بين شخص له أخطاء وآخر ليس له أخطاء، بل هو فقط فرق بين درجة جسامة الأخطاء التي نرتكبها. لقد انتقدت بعض الأشخاص في كتابى وأنا أحمل لهم محبة فائقة، فما أشد أسفى، إذن، لو أدى هذا النقد إلي قطع حبال المودة بيننا، أو بينى وبين أولادهم. سأذكر الآن مثالًا لم أتردد قط وقت كتابته في أن من المصلحة (بل من الواجب) نشره، ثَمَّ جاءت بعد ردود الفعل رافضة تمامًا لما فعلت، ولكنى لم أقتنع قط بما قيل لتبرير حذفه، ولازلت أعتقد أننى كنت على صواب في ذكره.

رحيق العمر-السيرة الذاتية لجلال أمينرحيق العمر-السيرة الذاتية لجلال أمينرحيق العمر-السيرة الذاتية لجلال أمين

لقد مرت ٥٧ سنة بين نشر كتاب أبي «حياتى» ونشر كتابى «ماذا علمتنى الحياة؟»، وهى مدة طويلة طرأت خلالها تغيرات كثيرة على الحياة الاجتماعية في مصر، كان من شأنها أن تجعل بعض ما كان مستحيلًا ممكنًا، وبعض ما كان ممكنًا مستحيلاً، كما تغيرت فيها الأذواق فجعلت بعض المكروه مستحبًا، وبعص المستحب مكروهًا. كان أبى وهو يكتب كتاب «حياتي» يعتبر من غير الملائم بتاتًا الإطالة في الحديث عن الحب أو عن أي شيء يتعلق بعلاقة الرجل بالمرأة. كان أقصى ما سمح لنفسه بذكره مما يتعلق بشعوره بالحب، في أي فترة من حياته، ما ذكره عن شعوره نحو السيدة الإنجليزية التي كانت تعطيه دروسًا في اللغة الإنجليزية في مقابل إعطائه لها دروسًا في العربية. كانت جميلة، ولكنها كانت متزوجة وسعيدة في زواجها. وقد شعر أبى نحوها بالحب، ولكنه لم يعبر عن ذلك في كتاب حياتى إلا بطريقة ملتوية للغاية، ولكنها أيضًا بالغة العذوبة. قال إنها كانت تقول له إن «عينكم تؤلمني»، وكانت تقصد بذلك الصعوبة التي تجدها في نطق حرف «العين» في اللغة العربية، (وهى صعوبة يصادفها أي أوربى) ثم أضاف: «وكنت أقول في نفسى مثل قولها»، ولكن العين في حالته كانت مختلفة بالطبع عن العين في حالتها.

رحيق العمر-السيرة الذاتية لجلال أمينرحيق العمر-السيرة الذاتية لجلال أمينرحيق العمر-السيرة الذاتية لجلال أمين

لم يعد الكلام عن الحب الآن محظورًا بنفس الدرجة التي كان بها في مصر في 1950. لقد تغيرت أمور كثيرة في حياتنا خلال الخمسين عامًا الماضية؛ مما جعلني أعتقد أن قيامى بنشر عبارات أبى عن أمى، لا بد أن يكون مقبولًا الآن أكثر من نشر أبى له في سنة 1950. ليس سبب هذا فقط أن أمى كانت على قيد الحياة في 1950، وكان لا بد أن يؤذى مشاعرها أن تقرأ هذا الكلام، بل أظن أيضًا أن القارئ لهذا الكلام الآن أكثر استعدادًا لقبوله دون أن يشعر بأنه يسيء إلى أبى أو أمى، مما كان منذ أكثر من نصف قرن. نحن الآن فيما أظن، أكثر استعدادًا لقبول الحقيقة المعقدة، وللتسليم بأن الأشياء ليست فقط بيضاء ولا سوداء، بل تأتي في مختلف الألوان والظلال، وأن السعادة الكاملة والرضا الكامل مستحيلان، ولا يوجدان إلا في الكتب أو الأفلام الممعنة في رومانسيتها، والتي لم تعد تتمتع بالقبول الذى كانت تتمتع به منذ خسمين عامًا أو أكثر. نحن، إذن، على استعداد الآن أن نقبل أن الأديب الكبير والمفكر العظيم يمكن أن يكون بهما بعض نقاط ضعف مهمة، دون أن يؤثر هذا في احترامنا وحبنا له، وأن المرأة العظيمة لا يجب أن تكون رائعة الجمال أيضًا. كما أننا الآن على استعداد للبوح بأخطائنا أكثر مما كنا منذ نصف قرن. لهذه الأسباب، لا يكاد يخامرنى أي شك في أن أبى لو كان مكانى لتصرف مثل تصرفى. فالسؤال المهم هو: «هل لو سُئل أبى في سنة 1917، عندما كان يكتب يومياته: هل تسمح لابنك بأن ينشر هذه المذكرات بعد مائة عام؟» وقد تخيلت أبى، بطريقة تفكيره التي أعرفها، وتصوره لما يمكن أن يطرأ على الدنيا من تغير خلال مائة عام، ووصلت إلى اقتناع بأنه كان على الأرجح سيسمح لى بنشرها.

رحيق العمر-السيرة الذاتية لجلال أمينرحيق العمر-السيرة الذاتية لجلال أمينرحيق العمر-السيرة الذاتية لجلال أمين

للاطلاع على الكتاب بأكمله:

https://bit.ly/3mjW5Sv

للاطلاع على المزيد:

https://asmaanawar.com/asmaa_blocks/