اللغة العربية لغة الحب
من حساسية اللغة العربية اللافتة وصفها ما يعتلج النفس البشرية بدقة، ما ضاهتها لغة فقد وصفت مشاعر الحب من قديم الأزل قبل ابتداع علم النفس الاجتماعي أو الطب النفسي. فلا توجد في اللغة الإنجليزية سوى كلمة (love) للتحدث عن الحب سواء كان المقصود مشاعر الحب أو العلاقة الجنسية، أما في العربية فللحب أسماء شتى لوصف مراحل علاقة الحب ومستوياتها بدون ممارسة الجنس؛ لكون ممارسته خارج علاقة الزواج قد حرَّمها الإسلام، فالعلاقة الجنسية إذا كانت حلالًا سميت في اللغة العربية نكاحًا وإذا كانت حرامًا سميت سِفاحًا. وتمتلك اللغة العربية 11 اسمًا لتبيان علاقة الحب ومراحله، تلك العلاقة التي أراها من عجائب قدرة الخالق عز وجل، وإليك بها يا قارئي العزيز حسبما ورد في كتاب "فقه اللغة وسرّ العربية" للثعالبي:
- أوَّل مَرَاتِبِ الحُبِّ الهَوَى.
- ثُمَّ العَلاَقَةُ وهي الحُبُّ اللاَّزِمُ للقَلْبِ.
- ثُمَّ الكلَفُ وهو شِدَّة الحُبِّ.
- ثُمَّ العشْقُ وهو اسْم لِمَا فَضَلَ عَنِ المِقْدَارِ الذي اسْمُهُ الحُبُّ.
- ثُمَّ الشَعَفُ وهو إحْرَاقُ الحُبِّ القلْبَ مَعَ لَذَةٍ يَجِدُها. وَكَذَلِكَ اللَّوْعَة واللاَّعِجُ فإنّ تِلْكَ حُرْقَةُ الهَوَى وهذا هوَ الهَوَى المُحْرِقُ.
- ثمَّ الشَّغَفُ وهُوَ أنْ يَبْلُغَ الحُبُّ شَغافَ القَلْبِ.
- ثُمّ الجَوَى وَهَو الهَوَى البَاطِنً.
- ثُمَّ التَّيْمُ وهُوَ أنْ يَسْتَعْبِدَهُ الحُبُّ ومِنْهُ سُمِّي تَيْمُ الله أي عَبْدُ اللهّ ومِنْهُ رَجُلٌ مُتَيم.
- ثُمَّ التَّبْلُ وهُوَ أنْ يُسْقِمَهُ الهَوَى. وَمِنْهُ رَجُل مَتْبُول.
- ثُمَ التّدْلِيهُ وهُوَ ذَهَابُ العَقْلِ مِنَ الهَوَى ومِنْهُ رَجُلٌ مُدَلَّهٌ.
- ثُمَّ الهُيُومُ وهُوَ أنْ يَذْهَبَ عَلَى وَجْهِهِ لِغَلَبَةِ الهَوَى عَلَيهِ ومِنْهُ رَجُل هَائِم.
وتجدر الإشارة ــ في الطب النفسي أو علم النفس الاجتماعي ــ إلى أن للحب ثلاثة مكونات، وفق نظرية (Triangular theory of love) أو ما يُعرف بالعربية بنظرية الحب الثلاثية، لعالم النفس الأمريكي روبرت ستيرنبرج، وهي:
- Passion (الوله أو العشق).
- Intimacy (العلاقة الحميمة لا العلاقة الجنسية هي المقصودة إنما هي أشبه بالصداقة بين رجل وامرأة يتشاركان في الفكر والثقافة والميول).
- Commitment (الالتزام بالبقاء على العلاقة).
وبذلك نلاحظ أن المراحل الإحدى عشرة التي أوردها الثعالبي قبل الدخول في علاقة جنسية، اُختزلت بالإنجليزية في كلمة واحدة وهي (passion). فأي لغة هذه التي تستوعب النفس البشرية بكل خلجاتها؟!
وأخيرًا وبعد التفطن إلى هذه الدقة في الوصف، وهذا الغنى في المفردات، وتلك الحساسية في استيعاب مشاعر الحب المعقدة، نجد مثل تلك المشاعر والأحاسيس لا يُعرب عن الشعور بها إلا دقة في الإبانة عنها وهو ما تمثل في اللغة العربية بثراء مفرداتها وأكدته الدراسات اللغوية الحديثة من أنها أكبر اللغات جذورًا وكفى بذلك شاهدًا على كونها أمَّ اللغات جميعًا، وبذلك حق لنا أن نسميها لغة الحب.
لمزيد من الاطلاع: