اللغة العربية محظوظة بالإسلام
دائمًا ما تستوقفني العلاقة الوثيقة بين دين الإسلام واللغة العربية. فلا يمكن لمن يعتنق الإسلام أن يتعبّد إلا باللغة العربية. إذن فهما قرينان لا ينفصلان أبدًا.
لكن تُرى من تأثر بمن؟ ومن رفع من؟ هل اللغة العربية هي التي رفعت الإسلام أم العكس؟
يقول العالم اللغوي الكبير ديفيد كريستال في كتابه "موت اللغة": "تموت اللغة عندما لا يتكلمها أحد أبدًا. ولكي تبقى "اللغة حية"، يجب ألا يقل عدد الناطقين بها عن 500 متحدثٍ. وحسب بعض الإحصائيات، فإنه لم يبق فقط إلا 600 لغة ـ من مجموع 6000 لغة تقريبًا في العالم ـ تعد في "مأمن" من الانقراض، فاللغة تنقرض عندما لا يبقى أحد ينطق بها."
وذكر تقرير لمعهد "بيو" الأمريكي للأبحاث أن الإسلام هو الأسرع نموًا كما ورد على موقع بي بي سي عربي في مارس عام 2017. فقد أفاد بأنه في عام 2070 سيكون الدين الأكثر انتشارًا في في العالم. وأضاف أنه على الرغم من كون أن أكبر تعداد للسكان المسلمين كان في إندونيسيا عام 2010 فسوف يكون أكبر تعداد لهم في الهند عام 2050. كما أنه من المتوقع أن يشكل المسلمون 10 % من سكان أوروبا عام 2050، فضلًا عن أنه من المتوقع أن يصبح شخص واحد من بين 50 شخصًا في الولايات المتحدة مسلمًا في العام نفسه.
إذن ما دام دين الإسلام هو الأسرع نموًا فسوف تكون اللغة العربية تباعًا الأكثر انتشارًا. لأنه يستوجب على هؤلاء المسلمين أن يتكلموا اللغة العربية؛ فذلك ضرورة لتأدية العبادات، لا سيما الصلوات الخمس فضلًا عن مناسك الحج.
يقول الدكتور مهند الفلوجي في كتابه: "معجم الفردوس": "والقرآن الكريم والحديث النبوي قدّما موسوعتين مرجعيتين للغة المفردات والنحو العربي، وكانا أهم سببين لحفظ اللغة العربية وصيانتها؛ لتكون أكثر اللغات حيوية في العالم مدة 14 قرنًا. ثم إن هذين المصدرين فتحا عيون العرب وعقولهم للمعرفة الهائلة بعلوم الحضارات البائدة، فوسّع مداركهم، وأغنى لغتهم."
واستطرد: "لقد حوّل الإسلامُ العربَ الأجلاف والبدو إلى أمةٍ داعيةٍ لها هدفٌ أسمى في الحياة. وقد اكتسبت بعد الإسلام كلماتٌ كثيرة معاني دينيةً جديدةً؛ ومن ذلك مثلًا: الصلاة، والصوم، والحج، والزكاة. وكلمات مثل: المؤمن والمسلم، والكافر، والفاسق، والمنافق. كما ولّدت القيادة الإسلامية مصطلحات إدارية مثل: الخلافة والولاية والوزارة، والحجابة، والقضاء، والحِسبة."
ويقول الإمام الثعالبي في مقدمة "فقه اللغة وسرّ العربية":
"من أحبّ الله تعالى، أحب رسوله محمدًا صلى الله عليه وسلم؛ ومن أحبَّ الرسول العربي، أحبَّ العرب؛ ومن أحبَّ العرب أحبَّ العربية التي بها نزل أفضل الكتب على أفضل العَجم والعرب؛ ومن أحبَّ العربية، عُنيَ بها، وثابر عليها، وصرف همَّته إليها، ومن هداه الله للإسلام وشرح صدره للإيمان وآتاه حسن سريرة فيه، اعتقد أن محمدًا صلى الله عليه وسلم خير الرسل، والإسلام خير الملل، والعرب خير الأمم، والعربية خير اللغات والألسنة، والإقبال على تفهمها من الديانة؛ إذ هي أداة العلم ومفتاح التفقه في الدين وسبب إصلاح المعاش والمعاد ثم هي لإحراز الفضائل، والاحتواء على المروءة، وسائر أنواع المناقب، كالينبوع للماء والزند للنار."
وبذلك أرى أن اللغة العربية محظوظة باقترانها بالإسلام؛ إذ إنه رفعها، وجعلها حية إلى يوم القيامة، فقد أولى الله تعالى عنايته الأبدية لكتابه الكريم فقال جل وعلا: " إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ". إذن فالإسلام سر بقاء العربية.
لمزيد من الاطلاع: