نوفمبر 24, 2022

|

بواسطة: asmaa

|

Categories: قلم يفكر

قوة الشخصية - مفهومها ومظاهرها

أسماء راغب نوار | قوة الشخصية - مفهومها ومظاهرها

من منا لا يحب أن يتمتع بقوة الشخصية؟! فالقوة يصاحبها شعور بالتفوق والعزة لا يضاهيه شعور؛ لكن ماذا تعني قوة الشخصية؟ إن مفهوم قوة الشخصية من المفاهيم الخطأ الشائعة. فيرى الكثيرون أنه يعني فرض السيطرة على الغير في حين أنه  يعني في الواقع معرفة الشخص مواطن قوته وإمكاناته ومهاراته. والقوة في حد ذاتها لها وجهان أحدهما إيجابي وهو يشير إلى قوة الشخصية والآخر سلبي وقد يكون ظاهرًا أو مُستترًا.

وتنبني قوة الشخصية على الثقة والكفاءة اللتين يكتسبهما الفرد بالتدريج في مشوار تطوره. وهي تعني الميل نحو الوعي الذاتي والاهتمام بمعالي الأمور في الحياة وغض الطرف عن سفاسفها، والشغل الشاغل لصاحب هذه القوة هو قيادة نفسه وليس الآخرين.

ومن يتمتع بهذه القوة يؤمن بأنها طريقة تفكير ينتهجها الإنسان في السيطرة على نفسه والتحكم فيها بكل ما لديه من إرادة وليست محاولة التحكم في الآخرين. وتعتمد هذه القوة على قدرة الإنسان ورؤيته والسمات الشخصية الإيجابية لديه ومدى استعداده لمساعدة الناس. لذا؛ تجده شخصًا كريمًا يتمتع بأعلى درجات الإنسانية.

وتبدو أبرز مظاهر قوة الشخصية في سيطرة الإنسان على مشاعر الغضب الجامحة. فلا يوجد أبلغ من الحديث الشريف إذ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ليس الشديد بالصُّرعة، إنما الشديد الذي يملك نفسه عند الغضب".

وأرى أن الوعي الذاتي يتناسب طرديًّا مع قوة الشخصية فكلما زاد الوعي الذاتي للإنسان زادت قوته لأنه سيكون على بينة من رغباته ونزوع نفسه وما يستوجب التهذيب فيها، فهي كما قال الشاعر العربي أبو ذؤيب الهذلي:

 وَالـنَفسُ راغِـبِةٌ إِذا رَغَّـبتَها *** فَـإِذا تُـرَدُّ إِلـى قَـليلٍ تَقنَعُ

فيتقي بذلك شر شطط رغباته بألا يطيع نفسه بل يقودها.

أما القوة السلبية المستترة، فتقوم على العنف والفظاظة في العلاقات الاجتماعية بين الناس. وتستر هذه القوة عجز وضعف صاحبها الذي يستقوي بإثارة مشاعر الخوف والغضب والشعور بالذنب لدى الغير. وعندما يعجز صاحب هذه القوة عن التحكم في نفسه والسيطرة عليها يواري هذا العجز بحياكة مكائد وحيل أشبه ما تكون بالحيل الطفولية مثل الانهيار والدخول في نوبات غضب وغيرها من السلوكيات المدمرة. وقد تتحكم القوة السلبية المستترة هذه في أُسر بأكملها فتمثل نوعًا من الإرهاب الذي به يكون فيه فرد واحد مسئولًا عن تعاسة البقية.

في حين تتميز القوة السلبية الظاهرة بالنزوع نحو العدوانية الصريحة، وتبدو هذه القوة أكثر ما تبدو في الأنظمة الدكتاتورية  فيصير القمع أهم مظاهرها. ويتخذ أصحاب هذه القوة من تخويف الناس وترويعهم أداة لإرساء قواعد قوتهم.

وفي أغلب الأحوال يعاني الشخص الذي يسعى بدأب إلى اكتساب قوة من خلال وسائل مُدمرة اضطرابات نفسية. فمشاعر الغضب والنرجسية والغرور هي التي تقوده في الغالب. وتسد القوة السلبية الظاهرة فجوة الشعور بالنقص التي يعاني منها صاحب هذه القوة بتسلطه واستبداده وإظهار أنه الأفضل على الدوام. وقد يصل حب السيطرة على الغير إلى حد الإدمان الذي يُولد نوعًا من النشوة ويقلل من مشاعر عدم الأمان.

ونجد القادة والزعماء المستبدين مدمرين إذ يحاولون إنكار شعورهم بقلة الحيلة أمام سلطان الموت أو انتزاع السلطة عن طريق إحكام السلطة على الناس. ويغذي وهم الحصانة من الموت غرور هؤلاء ويمنحهم شعورًا بالتميز، ذلك الشعور الذي يجعلهم يُغفلون أن كل من عليها فان.

ولأن الشعور الواهم بالحصانة من الموت لا يصدق أبدًا تتزايد حاجة هؤلاء إلى الشعور بالقوة بشكل مُلح، والتي غالبًا ما تؤدي إلى نتائج كارثية بل وجرائم ضد الإنسانية، ويعد أدولف هتلر من أبرز الأمثلة بين الساسةِ والحُكام.

وأخيرًا، أرى أن فهم عناصر قوة الشخصية يساعد الفرد على التعرف على صفات معينة قد يحتاج إلى تحسينها حتى يصبح إنسانًا أفضل يتحلى بأسمى معاني الإنسانية. ويعد الإلمام بشتى الطرق التي يستعين بها الفرد عند ممارسته القوة السلبية المستترة في علاقاته الشخصية له عظيم الأثر في إخماد أي صراع قد ينشب بين الأزواج أو العائلات. وكذلك التبصر بالقوى المُحرِّكة لممارسة القوة السلبية الظاهرة له أهميته البالغة في فهم المسائل السياسية والاجتماعية. فالدورالذي تؤديه الحيل الدفاعية النفسية في تحفيز القادة السياسيين تجذب الانتباه والاهتمام.

لمزيد من الاطلاع:

https://asmaanawar.com/asmaa_blocks/