مراجعة النفس أيام كورونا - أزمةٌ وعبرة
أوجعني ظُهر اليوم أن سمعت المؤذن عقب رفعه الآذان يقول: "صلوا في بيوتكم". أوجعني قوله على الرغم من أنني لست من رواد المساجد وأنني أؤدي صلواتي كلها تقريبًا إما في البيت وإما في المُصلى بالعمل. وأغلب زياراتي للمساجد تكون عند وجوب أداء الفريضة وأنا خارج المنزل وبعيدًا عن العمل. وذلك لأنني من المسلمات اللائي فضّل لهن الرسول صلى الله عليه وسلم الصلاة في بيوتهن. لكن على أي حال أوجعني منع الصلاة في المساجد حتى وإن كنت غير المقصودة في الأمر. ورحت أتساءل في نفسي:
ماذا اقترف المسلمون حتى يُمنعوا جبريًا من الطواف حول الكعبة. وتنعم أسراب الحمام بفضل الطواف والتعبد بدلًا من بني آدم؟!
ماذا اقترف المسلمون حتى يُمنعوا من دخول المساجد في شتى بقاع الأرض؟!
ماذا اقترفت البشرية كلها حتى تُمنع من مزاولة أنشطتها وتُقيم قسرًا في المنازل؟! ولا فرق بين غني وفقير ولا بين عزيز وحقير ولا بين قوي وضعيف فبدا الناس سواء رغم كراهية البعض لذلك.
يا لقدرة الخالق عز وجل بفيروس لا تراه العين المجردة تفزع البشرية وتكف عن أنشطتها في الحياة!
وليكن هذا الفيروس وأثره علينا إشارة انتباه أو إنذار من القادر عز وجل لعواقب هزيمة الإنسانية التي يعيشها العالم كله. فالإنسان سيد المخلوقات لأن الخالق سبحانه وتعالى قد وهبه عقلًا طاقته هائلة وقدرته حرة في صياغة ذاته حسب رؤيته. فبدلًا من أن يختار الإنسان منهجًا به يحيا نراه تنازل عن أجل ما يملك وسلَّم عقله لهواه وانساق وراء الفكر السائد حتى وإن كان ذلك الفكر يسلبه حريته ويجعله كسائر المخلوقات وليس سيدها.
ومن مظاهر ركون الإنسان وتخليه - بمحض إرادته - عن أسمى ما لديه وهما العقل والضمير هو إغفاله البحث عن الغرض من وجوده في الكون. مع العلم بأن الإنسان هو الكائن الوحيد المعني بهذا البحث فبالتالي أصبح لا يفرق معه شيءٌ ما دام يأكل ويشرب ويحظى بمظاهر رفاهية طارئة إن لم تكن زائفة. فأصبح واهنًا لدرجة لا تُمنكه من مناهضة الظلم ولو على أدنى مستوى بل على العكس وصل الأمر به إلى نصرة أهل الفساد.
ولما تخلى الإنسان عن أسمى ما لديه فقد الحياء. فجاهر بالفاحشة وتفاخر، بل وظلم الناس وتسلط عليهم واستخف بذلك حتى فقد الشعور بالذنب. واستوى لديه الحلال مع الحرام في كل شيء، وغاب عن إدراكه التسامح والتراحم بين الناس وانتشر العقوق وتفشت القطيعة بين الأرحام فأصبح مفهوم الغابة هو الغالب في مجتمعات بني البشر.
والأسوأ من ذلك كله أن انسحب استسلام الإنسان لتيار المادية الموحلة على إيمانه بواحدانية الله. فأشرك به مع الأسف، وصار يظن أن لقمة عيشه وأمنه في يد خلق الله وليس الله. فانتابه الخوف وأصابه الجزع وصار هشًا في حين أن الرزق مضمون ومكتوب في اللوح مع الأجل. وما خلق الله إلا أسباب لأمر المُسبب. والمطلوب من خلق الله فقط هو إحياء القيم والمعاني الإنسانية. والتمسك بها مهما علا التيار وارتفعت الأمواج التي ترمي إلى تفتيت تلك المعاني وتجريد الإنسان من إنسانيته ودنو منزلته بين المخلوقات.
وأخيرًا، أرى أن الإيقاف الجبري لأنشطة البشر بسبب فيروس كورونا الذي لا يُرى بالعين المجردة ما هو إلا فرصة للتفتيش والبحث والتنقيب عن الغرض من وجودنا في هذا الكون. وهو فرصة لمراجعة النفس ومناهضة الظلم وتزكية الروح.
نسأل الله العافية من المرض والهلع.
اللهم ارفع عنا الوباء وجنبنا الخوف والقلق.
لمزيد من الاطلاع: