دلالة لبيك اللهم لبيك -الحج مكمِّلٌ الإيمان
أذكرُ أنني عندما كنتُ أسمعُ وأنا طفلةٌ ترديدَ حجاجِ بيتِ الله الحرامِ عبارةَ: " لبيك اللهم لبيك، لبيك لا شريك لك لبيك، إن الحمد والنعمة لك والملك، لا شريك لك لبيك" كانت تُدخلُ على قلبي سعادةً ونشوةً أستشعرهما تمامًا اليومَ على الرغمِ من أنني كنتُ لا أدركُ معنى الكلامِ وخاصةً كلمةَ لبيك. لكنني لما كبَرتُ ورضيتُ بالله ربًا وبالإسلام دينًا وبمحمدٍ صلى الله عليه وسلمَ نبيًا ورسولًا وأدركتُ معناها، اختلطت السعادةُ بالمهابةِ والنشوةُ بالإجلالِ لتنتهيَ جميعًا بعبوديتي لله الخالقِ عز وجل، فهذه عزةٌ ما بعدها عزة!
فما معنى لبيك؟
لبيك معناها أنني مقيمٌ على طاعتِك، اتجاهي إِليك وقَصْدِي وإِقبالي على أَمرك، أي أنني تركت كلَّ الدنيا بمباهجِها وزخارفِها واستجبتُ لدعوتك وأقمتُ على طاعتِك يا رب وحدك لا شريك لك. فيقول الحاجُ لبيك اللهم أي سمعًا وطاعةً يا من كلفتني بأداء هذه الشعيرة، وبالكلمةِ معنى الترحيبِ بالتكليفِ وصفاءِ النفسِ.
وهل من أحدٍ جديرٌ بالحمد غيرُ الله وحده لا شريك له فهو سبحانه صاحبُ النعمِ كلهِا وأهمُها العقلُ – ذلك المخلوقُ المُعجزُ الذي يشقى إذا أنكر ألوهيةَ خالقه وربوبيتَه بعدما تأملَ أنه لا يجري شيء في الكون اعتباطًا إنما بنظام محكم لا يقيمه إلا قادرٌ حكيمٌ، ومن ثم يعترف أن المُلك كلَه له وحده لا شريك له، فيصدحُ قائلًا: "إن الحمدَ والنعمةَ لك والملكَ، لا شريك لك".
والحاجُ يتركُ كلَّ شيءٍ يألفُه، يتركُ بيته ووطنه وأهله وماله وثيابه التي يحبها وأشياءَ كثيرةً أحلها الله له، ويلتزمُ - مع ذلك - الأدبَ مع الكون كلِه؛ مع الجماد والنبات والحيوانات وسائر المخلوقات؛ مع النبات فهو لا يقتربُ من شجرةٍ ليقطعَ أغصانَها، ومع الطير فلا يصيدُه، ومع الخلقِ فلا يفسدُ حَجَّه بالجدالِ مصداقًا لقوله تعالى: "الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَّعْلُومَاتٌ ۚ فَمَن فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلَا رَفَثَ وَلَا فُسُوقَ وَلَا جِدَالَ فِي الْحَجِّ ۗ"، كلُ ذلك رغبةً منه في قبولِ الله إياه عبدًا حامدًا شاكرًا لأنعُمِه، فهذا وسامٌ شرفٍ يسعى المسلمُ لاستحقاقه على الدوام.
ومن المعلومِ أن هذه التلبيةَ من شعائر الحج الذي يعتبرُ أحدَ أركانِ الإسلامِ الخمس، والذي به يتحققُ إيمانُ المُسلمِ ويكتملُ، فالمسلمُ يشهدُ أنْ لا إله إلا الله وأن محمدًا رسول الله، ويقيمُ الصلاة، ويؤتي الزكاة، ويصومُ رمضان طاعةً لله الذي آمن به غيبيًّا. لكن يظلُ في قلبه شوقٌ ولهفةٌ إلى رؤيةِ البيتِ الذي اختاره الله من دون بقاع الأرضِ ليصبحَ نقطةَ تجمعٍ للمسلمين وقبلةً لهم حيثما كانوا في شتى أنحاء الأرض. فيرى المسلمُ القِبلة التي يتجه إليها عند كل صلاةٍ أمام عينِيه ليتحققَ إيمانُه ويكتملَ.
ويقول الدكتور عبدالحليم محمود شيخ الأزهر، رحمه الله، ومعنى التلبيةِ أنْ أجبناك اللهم فيما دعوتَنا إليه، عندما كلَّفتَ سيدنا إبراهيمَ عليه السلام فقلت: " وَأَذِّن فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالًا وَعَلَىٰ كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِن كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ"، فالحاجُ بهذا النداء استجابَ إلى الله سبحانه وتعالى، ونفى الشركَ عنه، وقَصر الحمدَ عليه، واستقر في نفسِه وكيانِه أنْ ما به من نعمةٍ فمن الله، وأن الملكَ كلَّه لله وحده لا شريك له، الدنيا والآخرة، المُلكَ والملكوتَ. وفي التلبية ما يُشعِرُ بإكرام الله عز وجل للحجاج في بيته؛ لكونهم قدموا إليه بدعوةٍ منه وتلبيةٍ لأمره.
رزقنا الله وإياكم غِبطةَ الحجِ إلى بيته الحرام.
لمزيد من الاطلاع:
https://asmaanawar.com/asmaa_blocks/