قلم يفكر على الماشي (12)
الدرهم والدينار
سَألَ عمرُ بن الخطّاب عن رجلٍ ما إذا كان أحدُ الحاضرين يعرفه، فقام رجلٌ وقال: أنا أعرفه يا أمير المؤمنين، فقال عمر: لعلّكَ جاره، فالجارُ أعلمُ النّاس بأخلاقِ جيرانه؟ فقال الرّجلُ: لا، فقال عمر: لعلّكَ صاحبته في سَفرٍ، فالأسفار كاشفة للطباع؟ فقال الرّجلُ: لا، فقال عمر: لعلّكَ تاجرتَ معه، فعاملته بالدّرهمِ والدّينارِ، فالدّرهمُ والدّينار يكشفان معادن الرّجال؟ فقال الرّجلُ: لا، فقال عمر: لعلّك رأيته في المسجدِ يهزُّ رأسَه قائمًا وقاعدًا؟ فقال الرّجلُ: أجل، فقال عمر: اجلسْ، فإنّكَ لا تعرفه؟
وبذلك وضع لنا عمر رضي الله عنه ثلاثة معايير تكفي أحدها لمعرفة الشخص، فحلو الكلام أو الأفعال في أوقات الرخاء كلها لا يعدو كونه انطباعًا ظاهريًّا عن الشخص لكن المعرفة الحقيقية لا تُؤتى إلا بالجوار فالجار أعلم الناس بأخلاق جيرانه أو الصحبة في السفر فالسفر تُعرف به مكارم الأخلاق أو المعاملات المادية التي تنبئ عن سماحة المرء أو جشعه وتبين مدى أمانته أو غدره.
ولذلك أرى أن التسرع في الحكم على الشخص بناءً على ظاهر قوله أو فعله وبعيدًا عن أحد هذه المعايير قد يوهم الإنسان بعكس ما تتضمنه الحقيقة.
شراسة الرأسمالية
تبدو الرأسمالية في أشرس حالاتها عندما ترد إليك رسالة من شركة هاتفك المحمول فحواها أنك تستمتع الآن بخدمة ترفيهية مُعينة مجانًا لمدة يومين، وسيُخصم منك جنيهٌ ونصفٌ يوميَّا بعد ذلك، ولإلغاء الخدمة اطلب كذا كذا، وتبدو الشراسة في أنك قد لا تنتبه إلى الرسالة إلا بعد استنزاف رصيدك بسبب اشتراكك الذي ظاهره الاختيار وباطنه الاستغلال والإجبار، وبذلك يصير أهم شيء للشركة هو جمع المال بأي طريقة حتى ولو بالنصب والاحتيال.
ما أجملَ الحريةَ!
منَ الحريةِ أنْ يعملَ الإنسانُ وهوَ يقولُ في نفسِهِ: "أنَا لَا يدفعُنِي مدحٌ ولا يُقهقرُنِي ذمٌّ، بلْ أعملُ مَا أنَا بِهِ مقتنعٌ وأراهُ ذَا قيمةٍ"؛ فهوَ بذلكَ يعملُ عنِ اقتناعٍ ولا يتحكَّمُ في مدَى تقدُّمِهِ أحدٌ فيملكُ بذلكَ زمامَ أمرِهِ. أمَّا إذا كانَ يعملُ انتظارًا للمدحِ فسيكونُ لهُ عبدًا ذليلًا، وإذا ألقَى بالًا للذمِّ فسيكونُ له حبيسًا، وسيكون هذا الذمُّ كالقيدِ الذي يمنعُ تقدُّمَهُ.
لمزيد من الاطلاع:
https://asmaanawar.com/asmaa_blocks/