يوليو 1, 2022

|

بواسطة: asmaa

|

Categories: قلم يفكر

الخوف من الحرية - تنصُّلًا من المسئولية

أسماء راغب نوار | الخوف من الحرية - تنصُّلًا من المسئولية

عندما طلبت إليَّ أمي أن أُطعم حمَامَها المحبوس العزيز لديها وأسقيه أوصتني أن أنتبه عند فتح العُش حتى لا تُفلتَ مني حمامةٌ وتطيرَ رغمًا عني لكن أفلتت مني حمامةُ مع الأسف وحلقت في السماء فانتابتني مشاعرُ متضاربةٌ اختلط فيها الحزنُ بالفرحِ، فقد حزنت لأنني لم أكن حريصةً على الوصيةِ وهو ما يُغضب أمي مني ومن ثم سيتعكر مزاجي؛ لكنني في الوقت نفسه فرحت فرحًا جمًا عندما رأيت الحمامةَ تُحلقُ وتُحلقُ إلى أعلى منطلقةً إلى الحريةِ ورافضةً الحبسِ، فهذا حقها الذي سلبناها إياه، وهذه فطرتها التي شوهناها، الأمرُ الذي أهدأ من روعي وخفف من توتري.

لكن حدث ما لم أتوقعه بأن وجدت الحمامة في اليوم التالي ثم الذي يليه والذي يليه تقف فوق العُش وكأنها تود الرجوع إليه والدخول في المحبس من جديد، والأكثر من ذلك أنني ما إن فتحت الباب حتى اقتحمت العُش طواعية وبكامل رغبتها. فاستوقفني المشهد طويلًا، وتساءلت في نفسي: لماذا عشقت الحمامة ضيقَ الأفقِ ورفضت رحابتَه؟ لماذا فضلت انتظارَ الفُتاتِ من طعامٍ وشراب على السعي وراء المزيد في أرض الله الواسعة؟ لماذا فضلت الحبس؟ لماذا خافت الحرية؟

قد يكون السبب أنها لم تعرف معنى الحرية لأنها وُلدت في الحبس وظنت أنه قدرهُا المُحتَّمُ الذي لا فكاك منه حتى الموت أو الذبح، أو أنها خافت الجوع الذي قد يجلبه تفلُّتها من الأسر، أو أن السبب وراء ذلك أنها وجدت الحرية يعقبها مسئوليةٌ، والمسئوليةُ تستوجب السعي وراء حياة أسهلَ ففضلت الكسلَ على السعي ومن ثم لم تتضجر من ضيق الأفق بعدما خافت رحابتَه.

وينسحب هذا أيضًا على الإنسان إذ يخافُ الحرية خشية الجوع، وينزعج من سعة أفقها ويرضى بضيق الأسر وأمنه واستقراره المزعومين، ويهربُ مما تقتضيه الحرية من مسئولية لينعم بما تتيحه له العبوديةُ.

 

لمزيد من الاطلاع:

https://asmaanawar.com/asmaa_blocks/