سبتمبر 27, 2023

|

بواسطة: asmaa

|

Tags: الحياة, الدين

|

Categories: قلم يفكر

دلائل نبوة محمد بن عبدالله وصدق رسالته

أسماء راغب نوار | دلائل نبوة محمد بن عبدالله وصدق رسالته

 

أكثر ما جذبني إلى الدين الإسلامي بعد البلوغ والوصول إلى سن التكليف هو أن العقل والمنطق هما وسيلتاه إلى الاقناع وليست الخوارقَ ولا المعجزات وإن لم يخلُ من المعجزات. وقد ورد عن خالد بن الوليد، وهو الذي كان فارس قريش أيام الكفر أنه قال حينما أسلم: «الآن استبان لكل ذي عقل أن محمدًا ليس بساحر أو شاعر، وأن كلامه كلام رب العالمين، فحق على كل ذي لب أن يتبعه».

فدعوة الإسلام غاية في البساطة إذ تتوافق مع الفطرة بلا تكلف أو تصنُّع، وتكفل للنفس البشرية الحرية التي تميل إليها بالفطرة فلا تعبد إلا الله وحده لا شريك له ولا تتوجه إلا إليه بلا واسطة. كما أن دعوته تجاري العقل وتتفق مع البداهة ففكرة الإله الواحد هي غاية ما يصل إليه التأمل الحق في ظواهر الوجود، فكل الأسباب تنتهي إلى أن فاطرها واحد أحد لا شريك له.

ومن أعظم ما ينادي به الإسلام هو أن الناس سواسية وأن كلنا عليه واجبات وله حقوق، ولا أدل على ذلك مما ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم من قوله في مرض وفاته حين قام إلى المسجد عاصبًا رأسه مستندًا إلى ذراعي علي بن أبي طالب والفضل بن العباس وقد دخل المسجد والناس يصلون فصلى قاعدًا ففرغ من صلاته واستدار إلى الناس: «أيها الناس من كنتُ جلدتُ له ظهرًا فهذا ظهري فليقتصَّ مني، ومن كان له عندي درهم فهذا مالي فليأخذْ حقه منه».

وإن حدثت في الإسلام معجزات من قبيل انشقاق القمر، وانبجاس الماء من بين أصابعه الشريفة ومن البئر المُعطلة، وسعي الشجرة إليه، وغيرها مما ورد في السيرة العطرة.. فإنما تمثلت المعجزة الكبرى في ذات النبي الخاتم، وفي الكتاب الذي أُنزل عليه والذي تنبه، وإن كان منهج تشريع، لأحداث وقعت وآيات من آيات الله لم يُكشف عنها النقاب إلا في عصرنا الحديث؛ كتطور الجنين في بطن أمه ونحوه. وقد جمعت شخصية محمد من الكمالات ما لم يحظَ به مخلوق قبله وما تجاوز به صفات العباقرة في كل العصور؛ فكان خُلقه وسيرته وسلوكه آية الآيات على صدقه.

وقد استوقفتني هذه الكلمات للدكتور مصطفى محمود رحمه الله في كتابه «محمد»: «وهذا محمد النبي وقد اجتمعت فيه كمالات بلغ في كل منها الذروة، فهو العابد المبتهل الذي يذوب خشوعًا ويفنى حبًّا، وهو المقاتل الصنديد الذي يتعرض لجحافل الموت ثابت القدم وألوف الأبطال والفرسان يفرون أمامه كالجرذان، وهو المخطط العبقري الذي يرسم الخطط فيتفوق على أهل الحرفة، وهو السياسي الحاذق الذي يحرّك المجاميع ويمسك بمقاليد المشاعر بمهارة المايسترو والمبدع، وهو المحدِّث الذي ينطق بجوامع الكلم، وهو الأب، والزوج والصديق، وهو صاحب الدعوة الذي يقيم نظامًا وينشئ دولة من عدم (من قبائل وشراذم متفرقة لا تعرف إلا قطع الطريق والثأر والتفاخر بالأحساب والأنساب)، وهو برزخ الأسرار المكاشف بالملكوت الذي يستمع إلى الله وملائكته كما نستمع نحن بعضنا إلى بعض بالغًا بذلك القمة في علوم الظاهر وعلوم الباطن معًا وفي الوقت نفسه.. وهو الكريم الحليم الودود الرءوف الصبور الباشُّ البسام اللطيف المعشر، لا تمنعه الأعباء الجسام من ملاطفة الطفل والوليد فيحمله على كتفه راكعًا وساجدًا وقائمًا، ولا من مغازلة زوجه في حنان.. لا ينضب لعواطفه معين.. وكأنه يستمد من بحر».

ويستطرد فيقول: «واجتماع هذه الكمالات في ذات واحدة معجزة وليست عبقرية، فالعبقرية هي أن تتفوق في صفة واحدة وحسب.. أما أن تكون ذواتنا مجمع كمالات فهنا نبوة.. هنا أمر لا يمكن أن يكون إلا بمدد إلهي وعصمة وتوفيق وتمكين وإفاضة ممن عنده كنوز كل شيء. وهذا برهاني على نبوة محمد صلى الله عليه وسلم».

وهذه الذات التي تشرفت بالنبوة والإبلاغ عن رب العالمين هي المعجزة التي أثرت في نفوس أتباعه منذ بدء رسالته التي جاءت بتحرير العقول من الظلام الذي خيم عليها وانحرافها بالديانات السماوية عن منهجها، ونبذت عبادة الأوثان ووُجِّهت إلى عبادة الواحد الأحد وإيثار العقل على الهوى، فالحمد لله الذي منَّ على البشرية ببعثه صلى الله عليه وسلم.

 

 

دلائل نبوة محمد بن عبدالله وصدق رسالتهلمزيد من الاطلاع:
https://asmaanawar.com/prophet-of-good-manners/