الخطر خير وازع - عبرةٌ في الميكروباص
الخطر خير وازع - عبرةٌ في الميكروباص
لحقتُ بالميكروباصِ ذاتَ مساءٍ وأنا عائدةٌ منْ عملِي بينما كانتِ السماءُ تقطر (رذاذًا). وكالعادةِ دارتِ الأحاديثُ المعهودةُ بينَ السائقِ وغالبيةِ الرُّكَّابِ حولَ الأجرةِ والبقيةِ وما إلى ذلك نحو: "في باقي عشرة جنيه هنا يا أسطى"، "وباقي خمسة كمان هنا يا أسطى". في حينِ يقولُ السائقُ لأحدِ الركابِ: "اللي دفع جنيه ونص الأجرة اتنين جنيه" فيردُّ عليه: "لكن أنا نازل قُريِّب". فيؤكدُ عليهِ السائقُ: "الأجرة موحَّدة"، ولم يُوقِفْ هذا الجدالَ سوى هطولِ أمطارٍ غزيرةٍ بشكلٍ لمْ نرَهُ في مصرَ إلَّا في الأفلامِ السينمائيةِ.
وبدا البرقُ في عُرضِ السماءِ على نحوٍ مثيرٍ. وأعقبَهُ رعدٌ يبثُّ الرعبَ في نفسِ الغافلِ. ويستحضِرُ قوةَ الخالقِ في نفسِ المؤمنِ. فاختلطتْ مشاعرُ الخوفِ معَ مشاعرِ الإيمانِ في الميكروباصِ حتَّى قرُبتْ محطةُ المُجادِلِ بشأنِ الأُجرةِ. وقدْ دفعَ جنيهًا ونصفَ الجنيهِ منْ دونِ أدنى اعتراضٍ منَ السائقِ. ونزلَ المُجادِلُ وركبَ غيرُهُ آخرونَ، واختلفَ الرُّكابُ الجُددُ حولَ الأجرةِ منْ جديدٍ. ولمَّا أشركُوا السائقَ المحتضِنَ لـ "دركسيون" السيارةِ التي يصعبُ عليهِ قيادتُها منْ هولِ الظروفِ الطبيعيةِ ساعتئذٍ. ردَّ عليهِمْ باحتدامٍ: "أُجرة ايه ونيلة ايه المهم نوصل بالسلامة. وعلى العموم الأجرة جنيه ونص للي لسة راكب!"
استوقفَنِي تبايُنُ ردِّ فعلِ السائقِ حولَ الأجرةِ فِي وقتِ الرخاءِ وعندَ مداهمةِ الخطرِ، اللذَينِ لم تفصلْهُمَا سِوى ثوانٍ معدودةٍ، فلمَّا كانتِ الأمورُ تسيرُ معهُ على ما يُرامُ سوَّلتْ لهُ نفسُهُ أنْ يطمعَ في أكثرَ منْ حقِّهِ بقولِهِ "إنَّ الأجرةَ موحَّدة"، ولمَّا أحاطَ بهِ خطرٌ لم يطلبْ إلا حقَّهُ، فكانَ لهُ الخطر خير وازع!
الثلاثاء: 24 أبريل 2018، القاهرة، كورنيش النيل.
لمزيد من الاطلاع:
https://asmaanawar.com/a-quarter-of-a-pound/
لمعرفة أحوال الطقس بالتفصيل في ذلك اليوم:
http://shorturl.at/uNQWY