مارس 1, 2023

|

بواسطة: asmaa

|

Categories: قلم يقرأ

تغطية الإسلام

أسماء راغب نوار | تغطية الإسلام

بقلم: إدوَارد سَعيْد

ترجمة: د. محمّد عناني  

عنوان الكتاب الأصلي: (Covering Islam: How the Media and the Experts Determine How we See the Rest of the World, Edward Said, Routledge& Kegan Paul, London, 1981)

تغطية الإسلامتغطية الإسلامتغطية الإسلام

من تصدير المترجم

ولد إدوارد سعيد فى القدس؛ فى فلسطين، عام 1935، وتوفى عام 2003، وقد التحق بالمدارس الابتدائية والثانوية فى القدس وفى القاهرة، ثم تخرج متخصصًا فى الأدب الإنجليزى فى جامعة برنستون عام 1957، وحصل على الماجستير عام 1960 من جامعة هارفارد والدكتوراه من الجامعة نفسها عام 1964، حيث فاز بجائزة أفضل ناقد فبدأ نجمه يسطع. وبدأ حياته العملية أستاذًا يتنقل بين الجامعات الأمريكية الكبرى حتى استقر به المقام فى جامعة كولمبيا أستاذًا للغة الإنجليزية وآدابها والأدب المقارن. ومنذ نشر كتابه الأول عام 1966 عن الروائى جوزيف كونراد وكتبه تحوز الإعجاب وتفوز بالجوائز، الأمر الذى أكسب آراءه مصداقية وحقق لها الانتشار واتساع التأثير، وخصوصًا بعد ذيوع المذهب النقدى الذى ارتبط باسمه، والذى يشار إليه عادة باسم نظرية ما بعد الاستعمار، وهو المذهب الذى ساهم مع غيره من المذاهب النقدية الحديثة (مثل التاريخية الجديدة – فى أمريكا – والمادية الثقافية، فى بريطانيا) فى تأكيد "العودة" إلى النظرة التكاملية أو الكلية للأدب باعتباره نشاطًا إنسانيًّا "ثقافيًّا" بمعنى أنه ينبع من الثقافة الخاصة لكل مجتمع ويصب فيها، ولذلك فقد اقترن اسمه كذلك بالنظرة الجديدة إلى الاستشراق وما فعله المستشرقون من رسم الصورة التى يريدها الغرب للشرق حتى بدا أنها صورة حقيقية، على زيفها، وهو الذى دعا سعيد إلى إعادة النظر فى كتاباتهم، على نحو ما يعيد النظر فى هذا الكتاب فى كتابات الغربيين عن الإسلام، والتنبيه إلى أوجه الانحراف عن الصواب، وإلى التعصب المقيت الذى تمليه المصالح المادية المحضة للرأسمالة المتضافرة مع نظم الحكم فى الغرب عمومًا، وفى الولايات المتحدة بوجه خاص.

تغطية الإسلامتغطية الإسلامتغطية الإسلام

وقد بدأ ذيوع صيت إدوارد سعيد على المستوى الدولى، كما نعرف، عندما نشر كتاب الاستشراق عام 1978، ولكنه كان قد أثبت امتيازه ورسوخ قدمه فى ميدان النقد الأدبى بصفة عامة عندما نشر كتابه الأول (الذى كان أصلًا رسالة الدكتوراه التى أنجزها فى هارفارد) وعنوانه جوزيف كونراد وخرافة السيرة الذاتية Joseph Conrad and the Fiction of Autobiography (1966) وأذكر أنه أحدث دويًا هائلًا فى أوساط دارسى الرواية، فالكلمة التى ترجمتها (بالخرافة) تتضمن تورية من المحال إخراجها فى الترجمة، فقد تعنى التخيل أو الوهم (بالمعنى العام) وقد تعنى فن الرواية الخيالية أو القصة الخيالية، طالت أم قصرت، وهو يقارن فيه بين الصورة التى يرسمها كونراد لنفسه فى خطاباته، معتبرًا إياها ضربًا من ضروب السيرة الذاتية، وبين الروايات والقصص التى كتبها، قائلًا إن الكاتب كان يحاول فيها تحقيق ما عجز عن تحقيقه فى سيرته الذاتية غير المباشرة، فكان بذلك يطبق "التعارض الثنائى" أو "الثنائية المتعارضة" التى آتت بها سيمون دى بوفوار بين الذات والآخر، (بل وحتى بين الذات والموضوع) بمعنى أنه يفسر سيرة الحياة الحقيقية للكاتب كونراد باعتبارها الذات، ويفسر أدبه وما يتجلى فيه من صورة غير مباشرة لما كان "يعتزمه" وعجز عن تحقيقه باعتباره الآخر، وهكذا فهو يخرج لنا نظرة تقوم على التعارض ما بين الذات والآخر فى حدود التعارض بين القصد (أو العمد) وبين التحقيق أو العجز عن التحقيق، الأمر الذى يقيم وشائج مهمة بين منهجه ومنهج "الظاهراتية" أو الفينومينولوجيا الذى أرسى أسسه الفيلسوف إدموند هوسيرل وطوره الفيلسوف مارتن هايديجر فيما بعد (وأيضًا موريس ميرلو – بونتى). فمذهب الظاهراتية يصر على أن القصد أو العمد هو أساس كل وعى إنسانى، وأن "الوعى" لا يتحقق إلا بوجود هذا القصد أو العمد، وأنا أذكر ذلك لتبيان التوجه الفلسفى المبكر فى كتابات إدوار سعيد، وما استتبعه من "التجريد" الذى يضفى على أسلوبه عمقًا خاصًا ويجعل ترجمته إلى العربية شاقة عسيرة. وربما كنت أذكره أيضًا لإيضاح ما يعتبره مؤرخو النقد الأدبى المعاصر أكبر مساهمة لإدوارد سعيد فى النقد الأدبى بصفة عامة وهو كتابه المهم البدايات: المقصد والمنهج: Beginnings Intention and Method الذى أصدره عام 1975، فإن اهتمام سعيد بالمقصد لا يتوقف عند التطبيق (فى حالة كونراد) بل يتطور إلى نظرية كاملة نرى فيها الاهتمام الموازى "بالتعارض الثنائى" الذى قد تكون له جذوره فى "الفكر البنيوى" ولكنه يتطور عند سعيد ليصبح نظرة عامة إلى موقف الأديب، تذكرنا بموقف هارولد بلوم (الذى أتى فيما بعد) عن "قلق التأثير". وهذه المجردات فى حاجة إلى إيضاح: يقول سعيد فى مقدمته لطبعة عام 1985 من ذلك الكتاب إنه يفرق بين مفهوم البُنُوّة (filiation) والاتّباع (affiliation). أما البنوة فتتضمن حتمية "بيولوجية" فالابن لا يملك إلا أن ينحدر من نسل أبوين، يرث منهما صفات معينة، شاء ذلك ام أبى، وأما الاتباع فيقوم على الاختيار أى على القصد، والتعارض بين هذين القطبين (أى هذا التعارض الثنائى) يفسر فى نظر سعيد الخطأ الذى وقعت فيه بعض المذاهب التى أتت بها النظرية الحديثة حين زعمت أن كل نتاج أدبى ينتمى وفقًا لقانون الحتمية، أى حتمية البنوة، إلى ما سبق إنتاجه من أدب، فكأنما ينتمى وفقًا لقانون البنوة للأسلاف، الأمر الذى ينفى إمكان وجود بداية جديدة لأى شىء، أى وجود ما يسميه سعيد "البدايات"، ولكن إدوارد سعيد يرفض هذا التعميم، ويقول إننا حتى لو استطعنا أن نجد ظلالًا "لأصول" أى "فكرة" فيما سبق من كتابات أو أقوال، فلا بد أن الكاتب أو الشاعر الأصيل يستطيع أن يأتى بالجديد، وأن يضع فى أدبه جذورًا جديدة قد تشبه بعض ما سلف فى بعض المظاهر، ولكنها – حتى ولو كانت تقوم على "الاتباع" – تأتى قطعًا بالجديد، ولا بد من اعتبارها بداية من لون ما

تغطية الإسلامتغطية الإسلامتغطية الإسلام

أصدر سعيد كتابه الاستشراق عام 1978 فكان نقطة تحول بالغة الأهمية فى مسار نظرية النقد الأدبى الحديثة، لا كما يقول أحد النقاد فى فكر سعيد أو عمله فحسب، إذ فتح هذا الكتاب الباب أمام دروب جديدة فى الدراسات النقدية لا لكتابات الغربيين عن الشرق فقط، بل أيضًا لكتابات الدول التى تحررت من الاستعمار عن ذواتها، خصوصًا فى إطار وعيها المحتوم بما خلفه الاستعمار من آثار "ثقافية"، فإذا كان رأى تيرى جولدى يقول إن كتاب الاستشراق نموذج لما أصبح يسمى نقد الاستعمار (colonial critique) فإن سعيد نفسه يطلق عليه اسم "نقد ما بعد الاستعمار" (Postcolonial criticism) وتبرز معالمه فى هذا الكتاب الذى يقتصر فى ظاهره على تقديم الكتاب الأوروبيين للصور التى تمثل الشرق (بحيث أدت إلى تكوين الصورة التى يريدونها للشرق والاصرار على صدقها بزعم أنها تمثل الحقيقة) ولكن الكتاب يقدم فى ثنايا عرضه وتعليقاته ما سبق لى أن اشرت إليه من نظرات نقدية جديدة، ولنكتفى بمثال واحد من ذلك الكتاب على منهجه، فهو يدلّل بنماذج مفحمة على أن صور الشرق كانت "تباع" للغرب فى ظل نظام "اقتصادى" يحكمه الربح المادى والفائدة المعنوية، فما يريده السوق يقدمه الكُتّاب، سواء كانوا يكتبون كتابات عامة أو إبداعية أو "علمية" (مزعومة)، فالسوق يريد صور مكان غريب متخلف عن ركب الحضارة، يسوده التفكير اللاعقلانى، وتسود فيه المتع الحسية، وخصوصًا الاستغراق فى الملاذ الجنسية، سواء كان ذلك مما يتفق مع الواقع كله أو يختلف عنه فى بعض التفاصيل المهمة التى قد تغير من "حقيقة" الصورة. وإدوارد سعيد يواصل هذا المنهج فى هذا الكتاب، فيبين أن الصور التى تمثل "الإسلام" أى عالم المسلمين منتقاة بعناية لتلبية احتياجات سوق من نوع أخر، سواء كانت السياسات الحكومية، أو ما يسمى "بالمصلحة القومية"، وسعيد يثبت أنه ليس فى "صالح" الغرب بصفة عامة والولايات المتحدة بصفة خاصة تكريس هذا الاستقطاب أو العداء أو الصدام المزعوم بين الثقافات أو الحضارات، بل يقول إن هذا ينشئه إنشاءً ويعمل على تنميته بما يغذوه من تشويه له، بحيث لن يؤدى استمرار ذلك النهج إلا إلى يأس الشرقيين من تفهم الغربيين لهم، وقد يدفع اليأس إلى الإرهاب، أو إلى الهجمات الانتحارية، أو إلى الحروب، وهو ما أثبتت الأيام صحته فتحقق فى 11 سبتمبر 2001 وما تلا ذلك من غزو أفغانستان والعراق.