نوفمبر 1, 2024

|

بواسطة: asmaa

|

Categories: قلم يقرأ

إسلام بلا مذاهب- الإباضية

أسماء راغب نوار | إسلام بلا مذاهب- الإباضية

 

الإباضية هم أشهر الفرق التي تنسب إلى الخوارج؛ لأنهم لا يزالون حتى يومنا هذا يسكنون في عُمان وزنجبار وشمال إفريقية، والإباضية هم أصحاب عبدالله بن إباض، وكانت لهم صولة في الجزيرة العربية، وعلى الأخص في حضرموت وصنعاء ومكة والمدينة.

ولكنهم يغضبون كثيرًا حين يسمعون أحدًا ينسبهم إلى الخوارج، ويبرأون من تسميتهم بالخوارج ويقولون نحن إباضية، كالشافعية والحنفية والمالكية، ويقولون إنهم رُموا بهذا اللقب لأنهم رفضوا القرشية، أي التزام كون الإمام من القرشيين.

وقد دخل مذهب الإباضية إلى إفريقية في النصف الأول من القرن الثاني، وانتشر بين البربر انتشار النار في الهشيم حتى أصبح مذهبهم الرسمي. وقد حكم الإباضيون في شمال إفريقية حكمًا متصلًا مستقلًا استمر زهاء مائة وثلاثين سنة حتى أزالهم الفاطميون. وإذا كان الإباضيون أصحاب أمجاد في الماضي فإنهم ما يزالون كذلك في عصرنا الحاضر، فهم الذين يخوضون الحرب الباسلة في عمان ضد الإنجليز، لا يكل لهم عزم ولا يفت في عضدهم إرهاب، وجماعة منهم يسكنون تونس والجزائر.

ما عقيدة الإباضية؟

عقيدة الإباضية تتفق مع أهل السنة في الكثير، وتختلف في القليل، فهم يعترفون بالقرآن والحديث كمصدر للعلوم الدينية، ولكنهم يقولون “بالرأى"، ويأخذون بالإجماع.

وهم أول من دوَّن الحديث، وأول من قام بذلك إمامهم جابر بن زيد المتوفى سنة ٩٣هـ. جمع الحديث في كتاب أسماه « ديوان جابر، ولكن هذا الديوان مفقود، ثم رسم على منواله الربيع بن حبيب الفراهيدي الذي عاش حوالى منتصف القرن الثاني، وكتابه معروف باسم (مسند الربيع بن حبيب) وهو مطبوع متداول. ولعل أهم خلاف بينهم وبين السنة قولهم بالتنزيه المطلق، فلا يقولون بالتشبيه، ولذلك فإنهم يقولون إن رؤية الله منفية في الدنيا والآخرة، ويقولون أيضًا إن الوعد والوعيد لا يتخلفان، بمعنى أن وعيد الله لا يتخلف، فمن دخل النار فهو خالد فيها، والمذنب تطهره التوبة ولا يدخل السعيد النار. وواجب عندهم الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.

ولقد انقسم الإباضيون الأول إلى عدة أحزاب هي: الحفصية، والحارثية، واليزيدية، وهذه الأخيرة قد أمعنت في الشطط حينما زعم رئيسها يزيد بن أنيسة أن الله سيبعث رسولًا من العجم وينزل عليه كتابًا قد كتب في السماء ينزله عليه جملة واحدة ويكون على ملة الصابئة.

ولكن انحراف يزيد بن أنيسة لا يؤثر في طبيعة مذهب جمهرة الإباضية الذين يتوفر كثير من جوانب الاعتدال في عقيدتهم.

وهم وإن نسبوا إلى الخوارج إلا أنهم يرون أنهم وحدهم الذين حافظوا على تعاليم الإسلام الحقة، ويرون أن القدوة الحسنة كانت بعد النبي في أبي بكر وعمر، ولا يحبون عثمان، ويسمونه صاحب "بدع"، ولا يلعنوا عليًّا، بل أنكروا قبوله التحكيم، ويعتبرون بيعته باطلة بعد قبوله التحكيم.

ونظرتهم إلى الإمام نظرة معتدلة، فلا يشترطون فيه أن يكون قرشيًّا، وإنما ينبغي أن يكون ورعًا فاضلًا يحكم بكتاب الله وسنة رسوله، وأن الإمام الذي ينحرف ينبغي خلعه وتولية غيره.

ويرون أن الحكم الشرعي يجب أن يكون عن طريق الإمامة، وللإمام السلطتان الدينية والدنيوية، ويجب أن يكون اختياره عن طريق البيعة، والإمامة بالوصية باطلة في مذهبهم، ويجوز تعدد الإمامة في أكثر من مكان، والحاكم العادل يغني عن وجود الإمام، حتى لو كان هذا الحاكم ملكًا.

والإباضية لا يعادون مخالفينهم من المسلمين معاداة صريحة، بل يعتبرون دارهم دار إسلام، ويبيحون الزواج منهم وموارثتهم، ومرتكب الكبيرة في نظرهم موحد وليس مؤمنًا، أو هو كافر كفر النعمة لا كفر الملة.

ما المقصود بالرؤية عند الإباضية؟

المقصود بالرؤية هي رؤية البارى سبحانه وتعالى، وترى الإباضية أن الرؤية تهدم التوحيد، ولقد اتخذوا من هذه القضية الأصل الأول لمذهبهم، وأنكروها لتنزيهه سبحانه وتعالى عن مشابهة الخلق، وقد استندوا في ذلك إلى الآيات المحكمات من كتاب الله، ويرون أنه ينبغي تأويل الآيات الموهمة للتشبيه بما يقتضيه المعنى من السياق، كتأويل الاستواء على العرش بالاستيلاء. ذلك أن الله جل وعلا لا يُرى في الدنيا ولا في الآخرة، لا بالبصر ولا بالقلب، لأن رؤيته ولو بالقلب توجد له تحيزًا وجهاتٍ وحلولاً في مكان وزمان، ولونًا وتركيبًا، وغير ذلك من صفات الخلق.

ويمكن الركون إلى التأويل في بعض ما يمكن أن يستشف منه الرؤية فيقال: يد الله قدرته، وعينه حفظه، وجنب الله حقه، وقبضة الله ملكه، ويد الله نعمته، ومجيء الله أمره، ونزوله إلى سماء الدنيا نزول ملك من ملائكته إليها بأمره ليحض على عبادته. ومجمل قولهم في الرؤية أنه خطأ لا يغتفر، وعلى القائل بها أن يتوب إلى الله ويستغفره، لأن أكثر الروايات فى هذا الشأن أصلها من دسائس اليهود.

ما أنواع الصفات المنسوبة لله عزّ وجل عند الإباضية؟

لله سبحانه وتعالى صفات واجبة، وبالتالى هناك صفات مستحيلة في حقه سبحانه، فالصفات الواجبة هي التي لا يمكن القول بوجوده بدونها، وهي وجوده وجودًا لا يحده زمن، وإنما له الوجود المطلق، والبقاء المطلق، ولا نهاية لبقائه، وهو العليم بذاته، البصير بذاته، القدير بذاته، السميع بذاته، لا تأخذه سنة ولا نوم، لا يخلو منه مكان، ولا تحيط به الأكوان، ولا تفنيه الأزمان.

ومثلما لله صفات واجبة، فإن هناك صفات مستحيلة عليه، فكل صفة وجبت له امتنع عليه ضدها، فإنه لو لم يكن كذلك لم يكن إلهًا، فإذا كانت صفات العلم والقدرة وجبت عليه، فإن ضدها كالجهل والعجز تمتنع عليه.

ما موقف الإباضية من القدر؟

يرى الإباضية أنه لا يتم إيمان المرء إلا إذا آمن بالقدر خيره وشره، وأنه من عند الله، يعتمدون في ذلك على الآيات الكريمة: (وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ وَمَا تَعْمَلُونَ﴾، ﴿هَلْ من خَالِقٍ غير الله﴾ و ﴿اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ﴾، وكذلك للعبد الاختيار والاكتساب.

القرآن الكريم قديم أم مخلوق؟

شغل القرآن الكريم المسلمين منذ القرن الأول، وظلوا يبحثون ويتجادلون فيها إذا كان قديمًا أو مخلوقًا، وذهب المعتزلة إلى أنه مخلوق، وصنعوا في ذلك فتنة كبرى لا تزال تعرف بفتنة خلق القرآن، وقد أوذى فيها الإمام أحمد بن حنبل وعدد كبير من علماء أهل السنة وفقهائهم، وأما الإباضية فإن الشيخ محمد يوسف أطفيش يقول بلسانهم: إن القرآن مخلوق، وهو في هذا الشطر من رأيه يشارك المعتزلة في رأيهم، ولكنه يعود إلى الاستطراد قائلًا: وعلمه تعالى به قديم غير حادث، ثم يعود مرة أخرى إلى القول بأن القرآن المتلو بالألسن المكتوب فى المصاحف ليس بقرآن حقيقة، بل هو دال على القرآن، وهو رأى غريب لم أستطع أن أفهمه.

ما موقف الإباضية من الخلافة؟

تذهب جمهرة علماء المسلمين إلى ضرورة توفر شروط بعينها فيمن يتولى الخلافة، وتميل هذه الجمهرة إلى أن يكون من شروط الخلافة أن يكون صاحبها قرشيًا، ولكن الإباضية اعتمدوا في الخليفة شروطًا بعينها، مثل الكفاءة والعدل والكرم والتقوى، مستأنسين بالآية الكريمة: ﴿إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللهِ أَتْقَاكُمْ﴾ ومن ثم كانت الدعامتان الأساسيتان في شروط الخلافة الكرم والتقوى، وأسقطوا القرشية أو الهاشمية. ولقد ذهب ابن خلدون فيما بعد إلى عدم اشتراط القرشية، ولكنه استبدل بها العصبية، وأما الإباضية فقد أسقطوا العصبية التي اشترطها ابن خلدون، بل حاربوها ورفضوها.

ويدور بخلدي أن الإباضية حين تمثلوا الخلافة على النحو الذي اشترطوه، كان أمامهم عدد من علماء المسلمين من أجناس مختلفة وألوان متباينة، وكل منهم صالح لإمامة المسلمين، ويحضرني في هذا المجال أبو عبيدة مسلم، فقد كان زنجيًّا أسود أعور، ولكنه مع ذلك كان درة في جبين المذهب، وواحدًا من أهم أركانه.

غير أن هذا الانفتاح في شروط الإمامة ربما كان وسيلة بشكل ما ولو غير مباشر في الحملة على الراشدين القرشيين الثالث والرابع، وهما عثمان وعلي، إضافة إلى الأسباب الأخرى التي رآها الإباضية فيهما، ومن قبلهم فرق الخوارج المعروفة.

هذا وإن مصادر العقيدة عند الإباضية هي الكتاب والسنة والرأي والإجماع.

والسنة عندهم تمثل الصحيح والحسن وغيرهما، إلا ما اشتد ضعفه، فإنه لا يعمل به. ويتمسك الإباضية بالرأي تمسكًا شديدًا، وهو عندهم اجتهاد العلماء، وهم يدينون من أنكره بالكفر.

والركن الرابع هو الإجماع، وهو أيضًا اجتهاد مأخوذ من الكتاب والسنة، لكن خفى مأخذه منهما، وإنما خفاؤه على غير المجتمعين.

أمور تكليفية وأخرى تَرْكيَّة:

الأصل في العقيدة بعد الإيمان أنها الأوامر والنواهي، وهي في أغلبها متفق عليها، لأنها أمر بالمعروف ونهى عن المنكر.

ولقد سجل بعض علماء الإباضية الأوامر في نيف وستين جزءًا، وهو عدد كبير في نطاق الإحصاء، ولذلك فيها أشياء ربما تفردوا بها، مثل قص الشارب، وحلق شعر العانة والإبط، وفرق شعر الرأس إذا طال، كثلاث أصابع أو أربع عرضًا، وقلم الأظفار، وغسل البراجم (يعني مفاصل أصابع اليدين والقدمين)، وهذه أمور اجتماعية توقفت عند النص عليها كقضايا من قضايا المذهب، وهناك أيضًا قتل الحية والعقرب، وهي بديهية، ثم هناك قتل الخنزير الإنسى والوحشي، وكلاهما نجس، وإني أتساءل: هل كلما رأيت خنزيرًا أأقتله مثل الحية والعقرب؟ وهناك عدد من المحرمات جرى النص عليها، مثل الصلاة بما فيه صورة حيوان، وتصوير ما فيه روح، والصلاة خلف من يرفع يديه مع الإحرام أو بعدها لأنها لا تجوز، وأكل العنبر والزعفران وجوزة الطيب، فهي محرمة كتحريم الحشيشة والأفيون والدخان وكل ما يسكر أو يفتر، وبيع أهل الشرك ما يجعلونه خمرًا لهم، كالعنب والزبيب والتمر، وبيع ما يلهي من كعاب وكور وصوالج، ولعب النرد، ولعب ما يسمى في مصر بالنحلة التي تدار على الأرض بخيط، وهي مصنوعة من الخشب مخروطية الشكل في طرفها المدبب قطعة حديد.

الحقيقة أن جدية المذهب وأعماقه وعظم رجاله كان من الممكن أن تشكل سببًا للتغاضي عن النصوص سالفة الذكر، ومثلها كثير رأينا ألا نعنى بتسجيله.

ومهما يكن من أمر، فإن المذهب الإباضي - وتلك بعض أركانه وأحكامه وسماته - يعتبر من أقرب المذاهب إلى أهل السنة، ووجوه الاتفاق أكثر كثرة واضحة من وجوه الاختلاف، وربما عمد بعض حَسَني النية إلى الالتفات إلى أمور غير مقصودة فجسموها، مثل ما يشاع من أن الإباضية تتعمد ألا تصوم مع جمهرة المسلمين في أول يوم من رمضان، وإنما تبدأ صيامها متأخرة يومًا، وتبعا لذلك يكون عيد الفطر متأخرًا يوما عن عيد الجمهرة، وفي اعتقادي أن ذلك أمر غير مقصود فيما لو صحت هذه القضية، ذلك أن المسلمين لم يتفقوا حتى الآن على بداية لشهر رمضان يلتزم بها الجميع، بل إنه من المؤسف أن عددًا من البلاد الإسلامية كان يتسرع فيصوم اليوم الأخير من شعبان على اعتبار أنه من رمضان، ولقد ثبت أن عددًا من البلاد الإسلامية فعل ذلك في السنوات القليلة الماضية، وأما الإباضية فلعلهم يستمسكون بالرؤية الشرعية المستمدة من قول الرسول ﷺ: (صوموا لرؤيته وأفطروا لرؤيته)، فلا صوم بلا رؤية، ولا إفطار بلا رؤية، وبقية الحديث قول الرسول ﷺ: (فإن غُبَّى عليكم فأكملوا عدة شعبان ثلاثين).

أما وقد ثبت لسنوات عدة أن أكثر أهل السنة في المشرق كانوا يستعجلون مقدم رمضان فيصومون يومًا قبل مجيئه، فإن الإباضية ومن صام معهم من بقية المذاهب الإسلامية كانوا هم أصحاب الصواب، لالتزامهم النص حيال ابتداء رمضان ومنتهاه، والله أعلم.

ومهما كان الأمر فقد كان فيهم عزة ومنعة، ولعل خير وصف لهم هو ما قاله أبو حمزة الخارجي في أصحابه: "شباب والله مكتهلون في شبابهم، غضيضة عن الشر أعينهم، ثقيلة عن الباطل أرجلهم، أنضاء عبادة، وأطلاح سهر، فنظر الله إليهم في جوف الليل، محنية أصلابهم على أجزاء القرآن، كلما مر أحدهم بآية من ذكر الجنة بكى شوقًا إليها، وإذا مر بآية من ذكر النار شهق شهقة كأن زفير جهنم بين أذنيه، موصول كلالهم بكلالهم، كلال الليل بكلال النهار، قد أكلت الأرض ركبهم وأيديهم وأنوفهم وجباههم، واستقلوا ذلك في جنب الله، حتى إذا رأوا السهام قد فوقت، والرماح قد أشرعت، والسيوف قد انتضيت، ورعدت الكتيبة بصواعق الموت وبرقت، استخفوا بوعيد الكتيبة لوعيد الله، ومضى الشباب منهم قدمًا حتى اختلفت رجلاه على عنق فرسه، وتخضبت بالدماء محاسن وجهه، فأسرعت إليه سباع الأرض، وانحطت إليه طير السماء، فكم من عين في منقار طير، طالما بكى صاحبها في جوف الليل من خوف الله، وكم من كف زالت عن معصمها، طالما اعتمد عليها صاحبها في جوف الليل بالسجود لله".

الإباضية,عقيدة الإباضية,الإسلام,المذاهب الإسلامية,إسلام بلا مذاهب

للاطلاع على المزيد:

https://asmaanawar.psee.io/6lz8pb
https://asmaanawar.psee.io/6lz8ne

https://asmaanawar.psee.io/6lz8nq
https://asmaanawar.psee.io/6m9m7j

https://asmaanawar.psee.io/6mfhrn
https://asmaanawar.psee.io/6mvphh

للاطلاع على الكتاب بأكمله:
https://asmaanawar.psee.io/6mfkam