نوفمبر 30, 2024

|

بواسطة: asmaa

|

Categories: قلم يقرأ

إسلام بلا مذاهب- أشهر الفرق الشيعية

أسماء راغب نوار | إسلام بلا مذاهب- أشهر الفرق الشيعية

أشهر الفرق الشيعية

ما أشهر الفرق الشيعية؟

كانت الفرق الشيعية كثيرة الأسماء، متعددة الاتجاهات، متباينة العقائد، اختلفت مذاهبها وتباعدت مشاربها، فبعضها التزم جانب القصد والاعتدال، وبعضها الآخر جنح إلى الغلو والضلال.

لقد ذكرت كتب التاريخ بعض الفرق الشيعية التي بادت ودرست، التي منها السبئية التي كانت تنادى بألوهية علي كرم الله وجهه، وكان رأس هذه الفرقة اليهودي عبدالله بن سبأ. ومنها الكيسانية التي كانت تعتقد في إمامه محمد بن علي بن أبي طالب المشهور باسم محمد بن الحنفية، وتنتسب هذه الفرقة إلى كيسان مولى أمير المؤمنين علي، وكان رأس الفرقة المختار بن أبي عبيدة الثقفي الذي كانت شجاعته أقرب إلى الأساطير، فقد ظل يحارب في سبيل رأيه، حتى لقي مصرعه وهو ممتط صهوة جواده وله من العمر سبع وستون سنة، وكانت هذه الفرقة تعتقد أن محمد بن الحنفية حي لم يمت، بل يعيش في جبل رضوى بالحجاز، وعنده عين من العسل وعين من الماء.

ومن هذه الفرقة الغالية الدارسة أيضًا فرقة المغيرية، نسبة إلى المغيرة بن سعيد البجلي الذي كان يعتقد في إمامة محمد بن عبدالله بن الحسن بن الحسن بن علي المعروف بمحمد النفس الزكية، غير أن المغيرة هذا ما لبث أن أصابته موجة من الانحراف فادعى الإمامة لنفسه، ثم ازداد غلوًا وانتهى الأمر به إلى ادعاء النبوة.

وتمضي كتب التاريخ على وجه العموم، وكتاب فرق الشيعة للنوبختي على وجه أخص فتذكر أسماء كثيرة لفرق غالية مثل الخرمدينية التي ألّهت الأئمة، والهاشمية التي ألّهت بعض الصعاليك، والبيانية التي ألّهت عليًّا، والناووسية التي قالت إن جعفرًا الصادق لم يمت.

ونحن لا نكاد نرى بين هذه الفرق الشيعية الدارسة فرقة واحدة معتدلة إلا فرقة "التوابين". ونشأة التوابين - حسبما هو واضح من اسمهم - مستوحاة من لفظ «التوبة» لشعورهم بالذنب وإحساسهم بالندم، لأنهم الذين وجهوا الدعوة إلى الحسين رضى الله عنه لكي يلحق بهم في العراق وقد بايعوه بإمارة المؤمنين، ثم لم يلبثوا أن انفضوا عنه، وتفرقوا من حوله حتى لقى ربه شهيدًا على النحو المحزن المعروف. لقد قامت فرقة التوابين بزعامة الصحابي سليمان بن صرد الخزاعي، وخاضوا معارك باسلة تأديبًا لقتلة سيد الشهداء وانتقامًا منهم. ولم تكن لهؤلاء التوابين صبغة دينية في نطاق العقيدة تميزهم عن جمهرة المسلمين، وإنما كانوا يصدرون في فكرهم ومعاركهم عن الإحساس بالندم والوفاء للحسين.

ومهما كان الأمر فإن المتشيعين قد انقسموا إلى فرق كثيرة العدد، بعضها مال إلى الاعتدال والقصد والاجتهاد الصادق في ظل العقيدة الإسلامية في غير ما شطط ولا ضلال، والبعض الآخر غلا في عقيدته غلوًا خرج به عن ربقة الإيمان إلى مهاوي الضلال، ومن الوحدانية إلى الشرك، وأدخلوا في الإسلام وثنية جديدة، فألهوا عليًّا وأولاده، وأقحموا على الإسلام كثيرًا من عقائد الوثنيين والمجوس.

ماذا عن فرقة السبئية؟


السبئية:

أول من دعا إلى تأليه عليّ، عبد الله بن سبأ اليهودي الذي نشر هذه الفتنة في حياة عليّ نفسه، ولم يكن يقصد من ذلك إلا الإساءة إلى الإسلام، وقد نسبت إلى ابن سبأ هذا أمور شيطانية هدامة، فقد طاف في الأمصار الإسلامية يمهد لدعوته الخبيثة، فكان يطرد أحيانًا ويوفق أحيانًا أخرى، ومن أهم تعاليمه الوصاية والرجعة، فأما الوصاية فهي أن كل إمام وصِيُّ مَنْ قبله، أي أن عليًّا وصي الرسول، والحسن وصي عليّ، والحسين وصي الحسن، وهكذا، وأما الرجعة فهي أن محمدًا سيرجع، ثم تحول بعد ذلك فقال إن عليًا سيرجع، وكان يقول حين قتل عليّ:

لو أتيتمونا بدماغه ألف مرة ما صدقنا موته، ولا يموت حتى يملأ الأرض عدلًا كما ملئت جورًا.

واتخذ ابن سبأ من الوصاية ذريعة لتأليب المسلمين على عثمان، فذكر لهم أن عثمان، قد اغتصب الخلافة من علي بن أبي طالب، وما فتيء يؤلب الناس على عثمان وينسب إليه من الأخطاء ما جعل حياته تنتهي بالشكل الذي انتهت به قتيلًا يتلو كتاب الله.

ولم يقف الأمر بابن سبأ عند ذلك، بل إمعانًا في الكيد للعقيدة وضع علي بن أبي طالب موضع الإله. ولم يكن أمر الغالين الذين بذر فيهم ابن سبأ بذور الخبث والزيغ ليقف عند حد، فقد ألّهوا أبناء علي، الحسن والحسين ومحمد بن الحنفية، ثم ألهوا أبناءهم بعد ذلك، وأدخلوا إلى الدين كثيرًا من العادات الفارسية والمجوسية والبوذية، فقالوا بتناسخ الأرواح، وتحللوا من بعض أحكام الدين إلى غير ذلك، غير أن كل ما أتوا به من بدع وانحرافات يتضاءل إلى جانب الإشراك بالله وتأليه عليّ وأبنائه.

ماذا عن فرقة التوابين؟

التوابون: 

على أننا لو ضربنا صفحًا عن فرقة السبئية التي ظهرت في عهد عليّ لوجدنا أن فترة من الهدوء والبعد عن الزيغ قد أظلت أنصار آل البيت بالهدى والنور، فأنصار الحسن وشيعته كانوا من خيرة المسلمين وأصفاهم قلبًا، وأتقاهم روحًا، فلما انتقل الحسن إلى رحمة الله انتقلت أمور الوصاية إلى الحسين الذي التف حوله بعض الأنصار من أهل العراق، ثم ما لبثوا أن انفضوا عنه، فلقى مصرعه بأرض كربلاء بالطريقة البشعة المعروفة في كتب التاريخ، فكانت أن دبت الغيرة، وتأججت نيران الحقد في قلوب بعض المسلمين الذين رأوا في ذلك امتهانًا لبيت الرسول الكريم، فاتسع نطاق التشيع لآل البيت، ونشأت في البصرة جماعة أطلقوا على أنفسهم اسم «التوابين» كونوا منظمة ضمت حوالي مائة رجل، على رأسهم الصحابي سليمان بن صُرَد الخزاعي. وهؤلاء التوابون رأوا أنهم غرروا بالحسين حينما استدعوه لكي يكون على رأس جماعتهم ثم تخلوا عنه ليلاقي حتفه بطريقة مزرية بهم.

وكانت حركة التوابين سرية أول الأمر، وكان شعارهم الثأر للحسين، ونحن لا نستطيع أن نقطع بأن الجماعة كانت لها أهداف عقائدية كأهداف الشيعة فيما بعد، بل كان طابعها عاطفيًا فيه إحساس بالندم، لأنهم أحسوا بأنهم مسئولون عن مقتل الحسين.

وكان في مقدمة دعاة التوابين رجل اسمه عبيد الله بن عبد الله المري، وكان يؤلب المسلمين على قاتلي الحسين مصورًا بشاعة الجريمة التي ارتكبت بقوله: «ابن أول المسلمين إسلامًا، وابن بنت رسول رب العالمين، قلت حمأته، وكثرت عداته حوله، فقتله عدوُّه وخذله وليُّه، فويل للقاتل وملامة للخاذل. إن الله لم يجعل لقاتله حجة، ولا لخاذله معذرة، إلا أن يناصح الله في التوبة، فيجاهد القاتلين، وينابذ القاسطين، فعسى الله عند ذلك أن يقبل التوبة ويقيل العثرة، إنا ندعوكم إلى كتاب الله وسنة نبيه، والطلب بدماء أهل بيته، وإلى جهاد المخلين والمارقين، فإن قُتلنا فما عند الله خير للأبرار، وإن ظهرنا رددنا هذا الأمر إلى آل بيت نبينا».

وقد تكاثر عدد التوابين وخرجوا إلى قبر الحسين بكربلاء يعترفون بخطئهم حين تقاعسوا عن نصرته ويبكون، ثم صعدوا إلى الشمال يريدون الإيقاع بالأمويين، ووقعت بينهم وبين الجيش الأموي معركة كبرى في عين الوردة قرب الرقة أبلوا فيها بلاء حسنًا، إلا أن النصر لم يكن من نصيبهم، فبالرغم من أنهم قاتلوا قتال الأسود إلا أن رمي النبال قضى على أكثرهم، ولم ينج منهم إلا عدد قليل، والحق أن هؤلاء التوابين قد تنبهوا إلى خطئهم بعد فوات الأوان، فلو أنهم قد بذلوا في مساعدة الحسين نصف ما بذلوه في هذه الموقعة لكان من المحتمل أن يتغير الموقف بالنسبة لكل من آل البيت وبني أمية.

ونحن لا نكاد نحس أن لهؤلاء التوابين عقيدة دينية ذات طابع يميزها عما سار عليه جمهور المسلمين، بل إن تحمسهم للثأر للحسين كان ندامة على تقاعسهم عن مناصرته، واستغفارًا عن التخلي عنه وقت المحنة، ولذلك فإن تشيعهم قائم على فكرة سياسية عصبية، وهي الأخذ بالثأر، ثم هي لا تخلو من انفعال وجداني خالص.

ومهما يكن الأمر فقد عادت مدارس الشيعة إلى التعدد وإلى الإجماع على جعل علي وأبنائه في مكانة الإمامة من المسلمين، وقد اختلفت نزعات هذه الفرق، فبعضها مال إلى القصد والاعتدال، وبعضها جنح إلى الغلو والزيغ حتى ألهوا عليًّا وأبناءه، ومن لم يسبغ عليهم الألوهية زعم أنهم لم يموتوا وسيعودون إلى الأرض مرة أخرى ينشرون النور والعدل.

ونستطيع أن نعرض في إيجاز لأهم فرق الشيعة ومعتقداتها.

ماذا عن فرقة الكيسانية؟

الكيسانية:

هذه الفرقة تقول بإمامة محمد بن علي بن أبي طالب المشهور بمحمد بن الحنفية، نسبة إلى أمه التي كانت من بني حنيفة، وكانت تسمى خولة، وكانوا يرون أن محمدًا هذا أولى بالإمامة بعد أبيه، لأنه كان حامل اللواء يوم وقعة الجمل، وهناك من ذهب إلى أن الحسين أخاه قد أوصى له بالإمامة من بعده.

وأما سبب تسمية الفرقة بالكيسانية، فيقال إن ذلك نسبة إلى كيسان مولى علي بن أبي طالب، وكان كيسان هذا هو الذي دل المختار بن أبي عبيد الثقفي على قتلة الحسين، فانتقم منهم المختار وقتلهم شر قتلة، وهناك من يقول إن الكيسانية سميت بهذا الاسم نسبة إلى المختار السالف الذكر، فقد قيل إنه كان يسمى كيسان.

والحق أن المختار الثقفي هو عمود الرحى في دعوة محمد بن الحنفية، وبالتالي في وجود فرقة الكيسانية، فلولاه ما قامت لهم قائمة.

والمختار بن أبي عبيد الثقفي شخص غريب الأطوار، كان خارجيًا في وقت ما، ثم أصبح زبيريًّا، أي من أنصار عبد الله بن الزبير، ثم صار بعد ذلك شيعيًا كيسانيًّا. وقد استطاع المختار أن يكسب ثقة محمد بن الحنفية، وتمكن بحيله وشجاعته أن يخضع الكوفة وأن يأخذ بيعة أشرافها وعامة أهلها، وكان يقول لهم: «تبايعونى على كتاب الله وسنّة نبيه والطلب بدماء أهل البيت وجهاد المخلين والدفع عن الضعفاء وقاتل من قاتلنا وسلم من سالمنا والدفاع ببيعتنا، لا نقيلكم ولا نستقيلكم».

الحق أن المختار كان أسطورة في شجاعته وجلده على الحرب وإلحاحه على أعدائه، وثباته في ميدان القتال والمثابرة على اقتناص النصر، فلقد حارب بني أمية في أكثر من موقعة، وكان ينتصر عليهم بشجاعة منقطعة النظير، وكانت رحى الحرب تدور والأمويون يهتفون: "يالثارات عثمان"، والشيعة يهتفون: "يالثارات حسين"، ولكن النصر كان دائمًا في جانب جيش المختار برغم قلة عدده بالنسبة إلى جيش الأمويين الذي كان على رأسه عبيد الله بن زياد.

بعد النصر أطلق المختار العنان للشيعة كي ينتقموا من قتلة الحسين، فقتلوا جميع المسئولين عن مأساة كربلاء، وعلى رأسهم شَمر بن ذي الجوشن قاتل الحسين.

كل ذلك كان يتم باسم صاحب الحق في الإمامة محمد بن الحنفية، الذي كان لا يزال مقيمًا بالمدينة، في حين أن رحى الحرب كانت تدور باسمه في العراق بصفة عامة. وفي الكوفة وما حولها بصفة خاصة.

وقد ظل المختار يخوض غمار القتال إلى آخر لحظة في حياته، حينما حوصر في قلعته بواسطة جيش الأمويين، فخرج في تسعة عشر رجلًا من أنصاره يفك الحصار عن نفسه، وأخذ يضرب بسيفه حتى قتل سنة 67هـ، وكان عمره سبعة وستين عامًا.

ومهما يكن الأمر فإن النصر الذي حازه المختار كان نتيجة لاتخاذه محمد بن الحنفية إمامًا، ومحاربته بني أمية والأخذ بثأر الحسين، وإعمال التقتيل في قاتليه والانتقام منهم، ولما كان هذا أمر المختار وهذه خطورته، فقد تكونت فرقة باسمه (المختارية)، وهي فرع من (الكيسانية) التي تقول بإمامة محمد بن الحنفية السالف الذكر، وقد تنكر محمد بن الحنفية للمختار حينما علم أن هذا الأخير يبتدع بعض الضلالات. ويؤول الدين تأويلات فاسدة، وادعى أنه يوحى إليه، وألف بعض الأسجاع، وكان عنده كرسي قديم غشاء بالديباج وزيَّنه بألوان الزينات المختلفة، وقال إنه من ذخائر أمير المؤمنين علي بن أبي طالب، وهو عنده بمنزلة التابوت لبني إسرائيل، وكان يدعى أن الملائكة تحارب معه في شكل حمامات بيض.

وكان المختار يكفِّر من تقدم عليًّا من الخلفاء، ويكفر أهل صفين والجمل، وكان ابن عمرة صاحب شرطة المختار يقول إن جبريل يأتي المختار بالوحي من عند الله فيخبره ولا يراه.

وليست "المختارية" وحدها هي التي قالت بإمامة محمد بن الحنفية، فهناك فريق "الكربية"- نسبة إلى أبي كرب الضرير - الذين غلوا في إطلاق الآيات والخوارق على محمد بن الحنفية أكثر مما غلا أصحاب المختار، فالكربية - فضلًا عن فساد عقيدتها - قالت بأن محمد بن الحنفية حي ولم يمت، وأنه في جبل رضوى وعنده عين من الماء وأخرى من العسل يعيش عليهما ، وأن على يمته أسد وعن يساره نمر، والأسد والنمر يحفظانه من أعدائه حتى يخرج إلى الناس باسم المهدي المنتظر، على أن فرقًا أخرى من الكيسانية قالت بموت ابن الحنفية وانتقال الإمامة إلى ابنه أبي هاشم أو غيره .

الفرق الشيعية,الفرق الشيعية ومعتقداتهم,إسلام بلا مذاهب,الإسلام

وليس الغريب أن يقال برجعة ابن الحنفية، فكل فرق الشيعة تقول بالرجعة، كل فرقة تقول برجعة الإمام الذي تعتقد فيه، وتنتظره، ولكن الغريب أن بعض الفرق قد ذهبت شأوًا بعيدًا في الانحراف، فقالت بألوهية محمد بن الحنفية، والذي قال بذلك رجل اسمه حمزة بن عمارة البربري، ادعى النبوة لنفسه والألوهية لابن الحنفية، وأحل المحارم، وأفسد أفكار الناس، وأتى من الموبقات الشيء الكثير.

والحق أن محمد بن الحنفية ليس له ذنب في ذلك، فأسباب الضلال كثيرة، ولعل المؤامرات على الإسلام منذ القدم قد لعبت دورًا كبيرًا في ذلك، فمحمد بن الحنفية كان إمامًا فاضلًا ورعًا نقيًا عالمًا، ورث الكثير من فضل أبيه أمير المؤمنين.

والذي يتتبع فرق الغلاة من الشيعة يجد بعضهم يؤله عليًّا وأبناءه وأحفاده، والمتواضعون من الغلاة يضعونهم في صف الرسل والأنبياء على الأقل.

وقد ذكر النوبختي صاحب كتاب فرق الشيعة عددًا كبيرًا من هذه الفرق ولعنها - وهو شيعي المذهب - وذكر أنها أساءت إلى التشيع بصفة عامة، فبالإضافة إلى الكيسانية ذكر أنصار عبد الله بن معاوية، والخرمدينية الذين ألهوا الأئمة حينًا، ووصفوهم بأنهم رسل حينًا آخر، وهم الذين قالوا بالتناسخ، وإبطال القيامة، والبعث، والحساب. والهاشمية الذين ألهوا بعض الصعاليك ممن لا يعرف لهم التاريخ أسماء بين أعيانه، والبيانية أتباع بيان بن سمعان التميمي، وقد ألّهوا عليًّا وقالوا إن الألوهية انتقلت إليه بالتناسخ، وغير هؤلاء وأولئك كثيرون ممن اتخذوا من التشيع وسيلة لسخافاتهم، فأساءوا إلى آل البيت، وأساءوا إلى فكرة التشيع ذاتها.

وهل هناك إساءة أبلغ من نسبة الألوهية إلى عليّ، العظيم في إيمانه وإسلامه، أو وضعه فوق مرتبة الأنبياء والرسل، وهل هناك أسخف من ذلك المغيرة بن سعيد، مولى بجيلة، الذي يسأله رجل عن فضائل عليّ فيجيبه: إنك لا تحتملها، ثم يذكر أنه خير من آدم ومن بقية الأنبياء، ويعددهم واحدًا واحدًا حتى يصل إلى محمد فيقول: علىّ مثله.

لاشك أن مثل هذه الترهات قد أساءت إلى آل البيت وأساءت إلى الشيعة أنفسهم، أليس من المضحك أن يظن بعض الشيعة أن عليًّا لا يزال يعيش في السحاب، فإذا أطلت سحابة قالوا: السلام عليك يا أبا الحسن؟ وكان هؤلاء السحابيون يعرفون بالمنصورية، نسبة إلى رئيسهم أبي منصور الكسف، الذي سمي بذلك لأنه كان يتأول في قوله تعالى: (وَإِن يَرَوْا كِسْفًا مِنَ السَّمَاءِ سَاقِطَا يَقُولُوا سَحَابٌ مَرَّكُومٌ) فالكسف عندهم هو علىًّ، وهو في السحاب.

وقد يلاحظ بعض الدارسين أن نشاط المفسدين قد انحصر فيمن اندسوا على سلالة علىًّ من ناحية حفيده على زين العابدين بن الحسين، لأن أمه كانت من بيت الأكاسرة الفرس، وهي ابنة يزدجرد بن شهريار التي أسرت، فتزوجها الحسين وأعتقها، وعرفت بعد ذلك باسم "سلافة"، وأنجبت زين العابدين عليًّا، وكانت سيدة صالحة، جمعت إلى تربية الملوك أخلاق الإسلام والتحلي بفضائله. نقول إنه قد لوحظ أن أكثر الغلاة هؤلاء ممن أيدوا هذا الفرع وغلوا في عقيدتهم، ولعل من أسباب ذلك أن أكثر الفرس قد اعتبروا أنفسهم أخوالًا لعلي زين العابدين وأصهارًا للحسين کما مر بنا فأيدوه، لا عن إيمان، وإنما عن عصبية النسب، وجعلوا من هذا النسب فخرًا لهم، فكان أن توالى اعتناق التشيع بين جمهور الفرس، ومن هنا ذهب بعض الدارسين إلى أن تلك الظاهرة الجديدة ، ونعنى بها ظاهرة ذيوع التشيع بين الفرس، ليست إلا مؤيدة لوجهة نظرهم من أن التشيع مسألة سياسية وعصبية أكثر من كونها مسألة عقيدة، وإلا فلماذا أجمع الفرس على التشيع ولم يجمع جمهور المسلمين من بقية الأجناس كالعرب والترك والهند والبرير على نفس المذهب الجديد؟

عل كل حال ينبغي أن نسجل أن للفرس كامل الحق في أن يعتقدوا ما يشاءون في الإيمان بالفرقة الإسلامية التي يرتضونها لأنفسهم، غير أن الذي يدعو إلى التأمل قليلًا أنه كان بين هؤلاء الفرس الفضلاء الذين آمنوا بالإسلام إيمانًا كاملًا حتى في ظل تشيعهم المعتدل، بعض الشعوبيين الذين لم يطهّر الإسلام قلوبهم من التعصب للجنس، ولم يؤثر فيهم المبدأ الخالد الذي جرى على لسان الرسول: "لا فضل لعربي على عجمي إلا بالتقوى" هذه الفئة قد بدأت تدس للإسلام وتزيف أحكامه ونشوه جلاله بما كانت تلصقه بآل البيت، لا من تكريم وتفضيل - فنحن جميعًا على اختلاف مذاهبنا نكرم آل البيت ونقدرهم - وإنما بإسباغ صفات التقديس والقول بأن بعضهم رسل يوحى إليهم، والبعض الآخر آلهة معبودون.

هذه الفئة لا شك قد أساءت إلى الإسلام دون منازع بما أنت من ضروب الخبث والزيف والتضليل.

ماذا عن فرقة المغيرية؟

المغيرية:

غير أن هناك من الغالية من اتجهوا في تشيعهم إلى سلالة الحسن بن على، ولعل أشهر هذه الفرق الغالية اتجاهًا نحو هذا الفرع فرقة (المغيرية)، وهي فرع من المحمدية الذين ينتظرون محمد بن عبد الله بن الحسن بن الحسن بن على، المعروف بمحمد النفس الزكية.

ومحمد النفس الزكية كان قد استولى على مكة والمدينة أيام مستهل الدولة العباسية، كما استولى أخوه إبراهيم على البصرة وما جاورها، واستولى أخوهما الثالث إدريس على جزء من بلاد المغرب، فأرسل أبو جعفر المنصور الملك العباسي إلى محمد النفس الزكية جيشًا كثيفًا، والتحم الجيشان بالمدينة في معركة كبيرة قتل فيها محمد النفس الزكية. وكان ثنى بجيش آخر أنفذه إلى العراق حتى التحم مع جيش إبراهيم في معركة عرفت باسم باب خمرين أو باخمرا، قتل فيها إبراهيم.

وكان أنصار محمد النفس الزكية يقولون بإمامته بعد موت محمد الباقر، مستندين إلى حديث - لست أدرى مبلغ صدق نسبته إلى الرسول - يقول في المهدي إن اسمه يوافق اسمي واسم أبيه اسم أبي، ولما كان محمد النفس الزكية سميًّا للرسول، وأبوه عبد الله سميًّا لعبد الله والد النبي، فقد آمن القوم بمحمد ودعوا لإمامته، فلما قتل في المعركة السالفة الذكر، زعموا أنه لم يقتل ولم يمت، وأنه في جبل "حاجر" من ناحية نجد، مقيم هناك إلى أن يؤمر بالخروج ويملك الأرض وتعقد له البيعة بمكة بين الركن والمقام. ولعل هذه العقيدة لا تختلف كثيرًا عن عقيدة شيعة محمد بن الحنفية الذين قالوا إنه مقيم في جبل رضوى عنده عين من عسل وعين من ماء على ما مرّ ذكره قبل قليل.

والمهم أن هؤلاء الشيعة من أنصار النفس الزكية يزعمون أن الذي قتلته جيوش المنصور لم يكن النفس الزكية نفسه، وإنما هو شيطان تمثل في صورته.

ومن الطريف أن بعض رجال السنة قد ردوا على هؤلاء قائلين لهم: إن أجزتم أن يكون المقتول بالمدينة غير محمد النفس الزكية وأجزتم أن يكون المقتول هنا شيطانًا تصور في صورته، فأجيزوا بأن يكون المقتولون بكربلاء غير الحسين وأصحابه وإنما كانوا شياطين تصوروا للناس بصور الحسين وأصحابه، وانتظروا حسينًا كما انتظرتم محمدًا النفس الزكية، وانتظروا عليًّا كما انتظرته السبئية منكم الذين زعموا أنه في السحاب، والذي قتله عبد الرحمن بن ملجم كان شيطانًا تصور بصورة على للناس.

المهم أن هذه الفرقة الغالية التي نسبت كل ذلك إلى محمد النفس الزكية هي فرقة "المغيرية"، أصحاب المغيرة بن سعيد البجلي، الذي كان مولى الخالد بن عبدالله القسرى، هذا المغيرة ما لبث أن تغير رأيه بسرعة وادعى الإمامة لنفسه بعد الإمام محمد، ثم ما لبث أن انساق وراء أوهامه فادعى النبوة لنفسه، ولكنها نبوة من طراز لم نألفه في النبوات السابقة، فقد استحل المحارم وأله عليًّا، ثم زاد على ذلك بعقيدة تدعو إلى الضحك والسخرية، فقال بالتشبيه، وزعم أن الله تعالى صورة جسم ذو أعضاء على مثل حروف الهجاء، وصورته صورة رجل من نور على رأسه تاج من نور، وله قلب تنبع منه الحكمة، وزعم أن الله تعالى لما أراد خلق العالم تكلم بالاسم الأعظم، فطار، فوقع على رأسه تاج، ثم اطلع على أعمال العباد وقد كتبها على كفه، فغضب من المعاصى، فعرق فاجتمع من عرقه بحران: أحدهما مالح والآخر عذب. والمالح مظلم، والعذب نيّر، ثم اطلع في البحر النير فأبصر ظله فانتزع عين ظله منها الشمس والقمر وأفني باقي الظل وقال: لا ينبغي أن يكون معى إله غيرى، ثم خلق الخلق كله من البحرين، فخلق المؤمنين من البحر النير، وخلق الكفار من البحر المظلم.

وقصة المغيرة هذه تجمع السخافة إلى الطرافة، وليست الوحيدة من نوعها، فأمثالها من الكثرة بمكان حينما يستعرض الإنسان عقائد بعض الفرق الغالية، إلا أننا نعيد ما ذكرناه من أن أكثر هؤلاء كانوا من بعض العصبيات الحاقدة على الإسلام، فأرادت أن تشوه محاسنه وتسيء إلى قدسيته، مستعينة بالغافلين والبلهاء من العامة ببث الدعاوى الكاذبة بين صفوفهم، فأشاعوا الفرقة بين المسلمين، وغرسوا الشك في قلوب بعض المؤمنين، فتعرض الإسلام لمحنة كبيرة من جراء هذه الاعتقادات الضالة والدعاوى السخيفة.

ولا شك في أن هؤلاء المفسدين كانوا على جانب كبير من اليقظة واللؤم والدهاء، وكانوا يختارون بحذق ميادين إفسادهم ومسارح بث سمومهم، فهم يعلمون مدى تعلق المسلمين بآل بيت الرسول الكريم ومقدار حبهم لهم وعطفهم عليهم، فانتهز هؤلاء المحنة التي أنزلها بنو أمية ومن بعدهم بنو العباس بآل البيت، واتخذوا من حزن المسلمين وأسفهم لما حَلَّ بأفراد البيت الكريم ذريعة كبرى لتمجيدهم، والغضب من أجلهم أول الأمر، ثم انتقلوا بعد ذلك إلى مرحلة تقديسهم، ثم ما لبثوا شيئًا فشيئًا أن خلعوا عليهم صفات الألوهية، فأصبح الشرك أمرًا طبيعيًّا في ظل إسلام هؤلاء المزيف، وكانوا أحيانًا ينقلون الألوهية بالوراثة أو بالتناسخ من واحد من آل البيت إلى الآخر، فجعلوا بمكائدهم تلك كثيرًا من المسلمين مشركين بعد أن كانوا مؤمنين موحدين.

ولكن لحسن الحظ كل تلك الفرق الغالية الضالة ممن أشرنا إليها في هذا الفصل لا تكاد توجد منها واحدة بيننا في هذا العصر الذي نعيش فيه، فإن وجد ما يشبهها فعددها قليل، وأنصارها ضئيلو العدد، يمكن استصلاحهم أو تركهم إن استعصى الأمر بالنسبة إليهم، فنفعهم إن استصلحوا كثير، وضررهم إن ظلوا على غلوّهم قليل.
الفرق الشيعية,الفرق الشيعية ومعتقداتهم,إسلام بلا مذاهب,الإسلام

للاطلاع على المزيد:

https://asmaanawar.psee.io/6lz8pb
https://asmaanawar.psee.io/6lz8ne

https://asmaanawar.psee.io/6lz8nq
https://asmaanawar.psee.io/6m9m7j

https://asmaanawar.psee.io/6mfhrn
https://asmaanawar.psee.io/6mvphh

https://asmaanawar.psee.io/6s692w

 

للاطلاع على الكتاب بأكمله:
https://asmaanawar.psee.io/6mfkam