إسلام بلا مذاهب- الشيعة الإمامية

ماذا عن الشيعة الإمامية؟
هم جمهور الشيعة الذين يعيشون بيننا هذه الأيام وتربطهم بنا نحن أهل السنة روابط التسامح والسعي إلى تقريب المذاهب، لأن جوهر الدين واحد، ولبه أصيل لا يسمح بالتباعد.
والشيعة الإمامية يشملون ثلثي سكان إيران تقريبًا، ونصف سكان العراق، ومئات الآلاف من سكان لبنان، وبضعة ملايين في الهند، والجمهوريات الإسلامية التي تحتلها دولة روسيا. والعقيدة العامة للإمامية هي نفس عقيدة الشيعة التي ألمحنا إليها في مستهل هذا الباب، وهي إيمانهم المطلق بإمامة على بن أبي طالب إيمانًا ظاهرًا كاملًا ووصفه بالوصي، وانتقال الوصاية إلى أبنائه من بعده.
والإمامية ليست فرقة واحدة كما قد يتبادر إلى الذهن، بل هي فرق كثيرة متعددة. كالباقرية والجعفرية الواقفة، والناووسية التي قالت بأن جعفر الصادق حي لم يمت، ولن يموت حتى يظهر، والأفطحية الذين قالوا بإمامة عبدالله الأفطح بن جعفر الصادق، والإسماعيلية الواقفة الذين قالوا بإمامة إسماعيل، إلا أنهم اختلفوا على أنفسهم، فمنهم من قال إنه مات فى حياة أبيه، ومنهم من قال إنه لم يمت، وإن أباه أظهر موته خشية أو تقية من الخلفاء العباسيين ، والموسوية المفضلية الذين يقولون بإمامة موسى بن جعفر الصادق، وقد نسب إلى جعفر أنه قال في الوصاية لمن يخلفه من أبنائه: سابعكم قائمكم ألا وهو سُمي صاحب التوراة، وقد سموا كذلك نسبة إلى موسى وإلى المفضل بن عمر أحد أعلام الفرقة، ومن الموسوية هؤلاء من يقول إن موسى لم يمت وسيخرج بعد الغيبة، ومنهم من سلم بموته، والاثنا عشرية وهم الذين قطعوا بموت موسى الكاظم، وظلوا يؤمنون بإمامة سلالة موسى حتى الإمام محمد القائم المنتظر، وهو الثاني عشر من حيث الترتيب العددي.
ماذا عن فرقة الاثنا عشرية والجعفرية؟
على أن أشهر كل تلك الفرق الإمامية التي ذكرنا هي فرقة الاثنا عشرية المعاصرة لنا، والتي تعيش ـ كما ذكرنا - في أكثر البلدان الإسلامية، خصوصًا إيران والعراق، وهذه الفرقة نفسها يطلق عليها أيضًا الجعفرية من باب تسمية الخاص باسم العام، كما يطلق عليها الإمامية من باب تسمية الخاص باسم العام، كما يطلق عليها الاسم العام وهو الشيعة، فحينما نقول الشيعة الآن يتجه القصد إليهم، ولقد سموا بالاثنا عشرية لأنهم يؤمنون باثني عشر إمامًا متتابعين هم: على بن أبي طالب، ثم ابنيه الحسن فالحسين، ثم على زين العابدين بن الحسين، ثم محمد بن على، ثم جعفر بن محمد، ثم موسى بن جعفر، ثم على بن موسى، ثم محمد بن على، ثم على بن محمد، ثم الحسن بن على، ثم محمد بن الحسن، ولكل إمام من هؤلاء الأئمة الاثنى عشر لقب عرف به، وهذه الألقاب هي على الترتيب: عليّ المرتضى، والحسن المجتبى، والحسين الشهيد، وعليّ زين العابدين السجاد، ومحمد الباقر، وجعفر الصادق، وموسى الكاظم، وعليّ الرضا، ومحمد الجواد التقي، وعلي الهادي النقي، والحسن العسكري الزكي، ومحمد المهدي القائم بالحجة.
فهذه الفرقة إذن تسمى بالجعفرية حينًا، والاثنا عشرية حينًا آخر، والإمامية حينًا ثالثًا، ولعلها من أبعد الفرق الإمامية عمومًا عن الاتصاف بالغلو، إلا في حالات بعينها كما سوف نوضح فيما يستقبل من حديث.
وإذا كانت قد سميت بالجعفرية من باب تسمية العام باسم الخاص، كما مر بنا قبل قليل، فإنها سميت بذلك لأمر أهم، وهو أنها تستمد أمور دينها من فقه الإمام جعفر الصادق، فلقد كان إمامًا لجميع المسلمين بالمعنى العام، كأبي حنيفة والشافعي والأوزاعي ومالك وابن حنبل، وكان من ذوي الرأي الصائب والفتوى الصالحة في أمور الدين، فضلًا عن أنه كان إمامًا لدى الإمامية، له ما لبقية أئمتهم من الولاية والوصاية.
لقد كان (جعفر) - الذي تنتسب إليه الجعفرية - غزير العلم في الدين، وافر الحكمة، كامل الأدب، زاهدًا ورعًا متسامحًا بعيدًا عن الغلو، ولم يكن يؤمن بالغيبة أو الرجعة أو التناسخ، كما أنه كان بعيدًا عن الاعتزال.
وكان السيد الإمام ينتسب من ناحية الأب إلى العترة النبوية المباركة، ومن ناحية الأم إلى أبي بكر الصديق، وله أقوال بالغة حد الجمال في الإيمان والصلة بالله والبعد عن التطرف، فمن أقواله: " إن الله تعالى أراد بنا شيئًا وأراد منا شيئًا، فما أراده بنا طواه عنا، وما أراده منا أظهره لنا، فما بالنا نشتغل بما أراده بنا عما أراده منا»؟ وكان يقول في القدر: «هو أمر بين أمرين: لا جبر ولا تفويض». ومن أقواله في الدعاء: اللهم لك الحمد إن أطعتك، ولك الحجة إن عصيتك، لا صنع لي ولا لغيري في إحسان، ولا حجة لي ولا لغيرى في إساءة).
ما الفرق بين الشيعة الإمامية والسُّنة؟
والاثنا عشرية في حقيقة أمرها وروح عقيدتها بعيدة عما تورطت فيه فرق شيعية كثيرة، فهم يبرءون من المقالات التي جاءت على لسان بعض الفرق ويعدونها كفرًا وضلالًا، وهم كما يقول السيد كاشف الغطاء - أحد شيوخهم المحدثين: (ليس دينهم إلا التوحيد المحض، وتنزيه الخالق عن كل مشابهة للمخلوق، أو ملابسة لهم في صفة النقص والإمكان والتغير والحدوث، وما ينافي وجوب الوجود والقدم والأزلية، إلى غير ذلك من التنزيه والتقديس، وبطلان التناسخ والاتحاد والحلول والتجسيم).
وباب الاجتهاد عند الاثنى عشرية لا يزال مفتوحًا، وللمجتهد أن يبدى رأيه، وأن يؤخذ به مادام متفقًا مع الكتاب والسنة، متمشيا مع المعقول، وإلا فلا قيمة له إن كان به ميل أو شطط.
والإمامية يزيدون على أركان الإسلام الخمسة ركناً آخر، هو الاعتقاد بالإمامة، أي أنهم يعتقدون أن الإمامة منصب إلهي كالنبوة، فكما أن الله يختار من يشاء من عباده للنبوة والرسالة، فإنه كذلك يختار للإمامة من يشاء، ويأمر نبيه بالنص عليه، وأن ينصبه إمامًا للناس من بعده للقيام بالوظائف التي كان على النبي أن يقوم بها، سوى أن الإمام لا يوحى إليه كالنبي، فالنبي مبلغ عن الله والإمام مبلغ عن النبي، ويتمسك الإمامية بهذا الركن تمسكًا شديدًا لا سبيل إلى التهاون فيه.
ويعتقد الإمامية فى اثنى عشر إماما متسلسلين، وهم الذين مر ذكرهم. على أن هناك من المؤرخين - بل من الشيعة أنفسهم - من ينكر وجود الإمام محمد الثاني عشر إنكارًا كليًّا ويعتبره
شخصية خرافية لا وجود لها.
وكل إمام سابق لابد أن ينص على اللاحق، وهم يرون أن الإمام معصوم كالنبي عن الخطأ، والإمام دون النبي وفوق البشر.
ويرى الإمامية أن من يشاركهم من المسلمين اعتقادهم في الأئمة على هذا النحو الذي ذكرنا كانوا مؤمنين، وإذا اقتصر الاعتقاد على أركان الإسلام المعروفة دون الاعتراف بالإمامة كانوا مسلمين مؤمنين بالمعنى العام، فعدم الاعتقاد بالإمامة لا يخرجهم عن الإسلام، ولكن تتفاوت درجات المسلمين في الآخرة، الشيعة أولًا ثم يأتي بقية المسلمين.
وعلى هذا الأساس تختلف الإمامية عن سائر الفرق الإسلامية بالاعتقاد في الأئمة الاثنى عشر، وهم يرون هذا الركن جوهريًّا في العقيدة، وأن الله يختار الإمام بسابق علمه كما يختار النبي، فالإمامة إذن منصب إلهي، كذلك يرون أن الله سبحانه وتعالى لا يخلي الأرض من حجة على العباد من نبي أو وصي ظاهر مشهور أو غائب مستور، ويروون الأحاديث الكثيرة التي يذهبون من خلالها إلى أن النبي أوصى عليًّا، وأن عليًّا أوصى ولده الحسن، وأن الحسن أوصى الحسين، وهكذا حتى الإمام الثاني عشر محمد القائم بالحجة، ولذلك فإنهم لا يزالون ينتظرون هذا الإمام الثاني عشر المستور، لكي يظهر في أي وقت حتى يملأ الأرض عدلًا.
والاثنا عشرية بهذه المناسبة لا يقبلون الأحاديث من أي من الرواة أو المحدثين، بل لابد أن تكون قد رويت عن طريق أهل البيت عن جدهم على بن أبي طالب، أما ما يرويه أبو هريرة وغيره من المحدثين الرواة فليس لأحاديثهم عند الشيعة من الاعتبار - على حد تعبير السيد كاشف الغطاء - مقدار بعوضة، ولعل هذا سبب كبير من أسباب الخلاف بين الشيعة والسنة، وتبعًا لذلك فهم لا يعترفون بكبريات كتب الحديث مثل موطأ الإمام مالك، ومسند الإمام أحمد، والصحيحين، وكتب السنن الأربعة المعروفة، ولما كان الحديث هو المصدر الثاني للتشريع كان من الواضح أن تتسع الهوة نتيجة للخلاف على الرواة وتتزلزل الثقة بكل فريق.
وإذا كانت الإمامية لا يزالون يقولون - دون السنة - بالاجتهاد وأن بابه لا يزال مفتوحًا، فإنهم لا يأخذون بالقياس، وهو الذي سار عليه بعض علماء السنة، بل إنهم - أي الشيعة الإمامية - ينسبون إلى بعض أئمتهم القول بأن الشريعة إذا قيست مُحِق الدين.
لعل هذه المبادئ من أهم ما يفرق بين السنة والإمامية، ولكن هناك أشياء أخرى يتمثل فيها الخلاف، فبعض هذا الخلاف في العبادات، وبعضه في المعاملات، وبعض آخر في موضوعات لها خطورتها وحرجها نحاول عرضها في دقة ووضوح.
ففي الصلاة تكاد الإمامية تتفق مع السنة اتفاقًا تامًا، إلا في صلاة الجمعة والعيدين، فصلاة الجمعة معطلة عند بعضهم، لأنها لا تجوز طالما كان «الإمام» غائبًا. وهي بالتالي لن تقام إلا حين يظهر الإمام المستور، وأما صلاة العيدين فهي فرض عند الإمامية، وواجب عند بعض السنة كالحنفية، وسنة عند الآخرين كالشافعية، ونوافل رمضان ألف ركعة زيادة على النوافل اليومية التي تبلغ إحدى وخمسين ركعة في اليوم، ونوافل رمضان يصليها فرادى لأنها سنة، وهم لا يرون فيها مشروعية الجماعة، إذ لا جماعة - عندهم - إلا في فرض، بل إنهم يفضلون صلاتهم في بيوتهم، معتمدين على حديث يروونه: "أفضل الصلاة صلاة الرجل في بيته إلا المكتوبة".
والزكاة عند الشيعة فريضة كما هي عند السنة، وزكاة الفطر واجبة، وهناك زكاة أخرى عندهم هي (الخمس) وهم يعتبرونها حقًّا فرضه الله لآل محمد عوضًا عن الصدقة التي حرمها الله عليهم من زكاة الأموال، وهي ستة أسهم، ثلاثة منها تدفع للإمام إن كان ظاهرًا، ولنائبه (وهو المجتهد العادل) إن كان مستترًا، وثلاثة أخرى للفقراء والمحتاجين من بني هاشم.
للاطلاع على المزيد:
https://asmaanawar.psee.io/6lz8pb
https://asmaanawar.psee.io/6lz8ne
https://asmaanawar.psee.io/6lz8nq
https://asmaanawar.psee.io/6m9m7j
https://asmaanawar.psee.io/6mfhrn
https://asmaanawar.psee.io/6mvphh
https://asmaanawar.psee.io/6s692w
https://asmaanawar.psee.io/6s6a4x
للاطلاع على الكتاب بأكمله:
https://asmaanawar.psee.io/6mfkam