أغسطس 30, 2023

|

بواسطة: asmaa

|

Tags: الحياة, الدين

|

Categories: قلم يفكر

لمـاذا نحـن متخـلفـون؟!

أسماء راغب نوار | لمـاذا نحـن متخـلفـون؟!

 

كلما قرأتُ كتابًا يعبر عن أفكاري استمتعت به وتذكَّرت ما قاله الكاتب الإنجليزي جورج أورويل واصفًا الكتاب الممتع بأنه «هو الكتاب الذي يقول لك ما كنتَ تعرفه من قبل» إذ إنه سيدعم فهمك لبعض الأمور، ولعله ينظم هذا الفهم ويرتّبه، فيزيد من إدراكك ومن ثقتك بصحته.

تَبادرت إلى ذهني هذه الكلمات عندما قرأت ما كتبه الأستاذ حسين أحمد أمين، خاصة وأنني يشغلني مسألة «لماذا نحن متخلفون» على الرغم من أن الإسلام يبعث على التقدم؟!

فقد كتب أمين في مقاله الذي نشرتْه صحيفة الحياة في أغسطس عام 2004: «أذكر أنني أثناء عملي وزيرًا مفوَّضًا بالسفارة المصرية في ألمانيا، قمت بزيارة لمدينة آخِن عاصمة إمبراطورية شارلمان، ولجامعتها الشهيرة. وإذ دخَلْتُ مع مدير الجامعة في حوار طويل قلت له أثناءه: إنني لاحظت في عجب ودهشة كيف أن بناتي الثلاث اللواتي تلقين تعليمهن منذ روضة الأطفال في المدارس الألمانية في الدول التي عملت فيها دبلوماسيًّا، لم أرَهُنّ يومًا في أي مراحل الدراسة يشرعن في حفظ قصيدة لجوته أو شيلر أو هايني، أو يقرأن كتابًا لنيتشه، أو مسرحية لهاوبتمان، في حين تحرص المدارس الفرنسية والإنجليزية أشد الحرص خارج فرنسا وبريطانيا على ربط تلاميذها بثقافتَي هاتين الدولتين وحضارتيهما، وترى في الأدب خصوصًا أنجع وسيلة لتحقيق تلك الرابطة! أجاب بقوله: إن النخبة الألمانية بعد هزيمة هتلر عكفت جادة على دراسة الأسباب التي أدت إلى ظهور النازية في ألمانيا واحتضان الشعب لها، فقادها البحث إلى نتيجة مذهلة، هي أن منابع الثقافة الألمانية بأسرها منابع مسمومة، كان لا بد أن تسفر في النهاية عن ظهور هتلر ورفاقه وحزبه، وأن هذا السمَّ ليس مقصورًا على أمثال شبنجلر وفاجنر ونيتشه، وإنما يتعداهم إلى جوته وهايني وباخ وبيتهوفن وكانط وشوبنهاور وسائر أعلام الأدب والفنون والفلسفة في التاريخ الألماني، حتى وإن بدا الكثيرون من هؤلاء أبعد الناس عن احتضان الأفكار الفاشية وأقربهم إلى الروح الإنسانية والفكر الديمقراطي؛ لذا فقد مالت المدارس والجامعات إلى أن تضرب بمثل ذلك التراث عرض الحائط وأن ترميه وراء ظهرها، وإلى أن يكون تركيزها فقط على العلوم والرياضيات».

ويضيف أمين: «أُسائل نفسي الآن وقد قفز إلى ذاكرتي حديثي مع مدير جامعة آخِن: هل يمثل تراثنا أيضًا وثقافتنا بمختلف عناصرهما ينابيع مسمومة على نحو الصورة التي صوّرها الأستاذ الألماني للثقافة الألمانية؟ وهل تشمل تلك الينابيع المسمومة حتى مَن نعتبرهم من أعلام حضارتنا السالفة من أصحاب الفكر الحر، مثل ابن رشد والجاحظ وأبى حيان التوحيدي وإخوان الصفا؟ وهل نحن في حاجة، من أجل التحرر من ربقة تلك القيود والتخلص من هذه السموم، إلى كارثة من نوع كارثة الهزيمة الألمانية المروِّعة عام 1945.. كارثة من نوع ما حل بأفغانستان فالعراق.. كارثة ملموسة مفاجئة حالّة، لا كتلك الكارثة البطيئة الممتدة وشبه الخفية التي نعيش اليوم في ظلها من دون أن ينتبه إلى أبعادها غير القليلين من مفكرينا؟».

إنني أرى في الواقع أن المشكلة لدينا ليست في المنابع، بل في تجاهلنا إياها لأسباب، منها أن الهمة قد أصيبت في مقتل عند المسلمين منذ الهجوم التتري المتوحش عليهم؛ فتجمدت عقولهم من هول ما واجهوا، وصار منتهى أمل الواحد منهم أن ينجو بحياته، فزُرع فيهم الخوف ونما، ولا نزال نجني شوكه حتى يومنا هذا، وتطور هذا الخوف إلى أن نتجت عنه الاتكالية، فصارت صفة للغالبية التي اعتمدت على تبني بعض الوعاظ لهذه المنابع وما يضمرون من أغراض ومصالح على الرغم من أن طلب العلم فريضة على كل مسلم ومسلمة، ومع الأسف جعل الغالبية طلب العلم فرض كفاية بدلًا من كونه فرض عين.

وقد أفرزت الاتكالية تدينًا جديدًا بعيدًا تمامًا عن صحيح الإسلام، فالإسلام يعني الإذعان لإرادة الله، وعلى المسلم ابتغاء رضا الله بنفسه بلا وسيط؛ لأن كل المسلمين في الإسلام سواسيةٌ فلا يوجد كهنوت ولا تقديس لأشخاص، وليس في الإسلام رجال دين، إنما علماء بالدين يرشدون الناس إلى كنه إرادة الله، لا لتقديس نصوص من اجتهد من المسلمين، والمجتهد قد يخطئ وقد يصيب، وصار تدين الكثيرين منحصرًا في الاستماع إلى أهوال قصص الوعاظ البعيدة عن العلوم الشرعية والقريبة من الخزعبلات التي تُخدِّر النفوس الخاوية، وقد خوت نفوس غالبية المسلمين لأنهم استحبوا تسليم عقولهم لهؤلاء الوعاظ على تحمل مسئولية أنفسهم، غافلين أنه لن يغني أحد عن أحد كما يقول تعالى (يَوْمَ لَا يُغْنِي مَوْلًى عَن مَّوْلًى شَيْئًا وَلَا هُمْ يُنصَرُونَ)، وبذلك حدثت شخصنة التدين فبعُد غالبية المسلمين عن صحيح الإسلام ورحابته، ففرطوا في حريتهم وأوكلوا آراءهم إلى تفسير الوعاظ الذين أوكلوا فهم الدين إلى مداركهم، ومنهم من تصوره على نحو يخالف حقيقته فلم يجدوا للديمقراطية سبيلًا فاعتمدوا التخلف.

تلك مقدمة لسلسلة من مقالاتي بعنوان: «لماذا نحن متخلفون؟!» أوجزت فيها بعض الأسباب التي سأتناولها بإفاضة تباعًا بإذنه تعالى، والله الموفق.

 

 

لمـاذا نحـن متخـلفـون؟!


لمزيد من الاطلاع:

https://asmaanawar.com/journey_to_my_website/
https://asmaanawar.com/asmaa_blocks/