نوفمبر 24, 2022

|

بواسطة: asmaa

|

Categories: قلم يفكر

العربية لغتنا الأم - تفريطٌ معيب

أسماء راغب نوار | العربية لغتنا الأم - تفريطٌ معيب

حضرت في بداية حياتي المهنية دورة تدريبة عن النشر في معهد جوته بالقاهرة. وبالطبع كان المدربون من الألمان وكانوا ثلاثة يتناوبون على المحاضرات. وكانت اللغة المشتركة بينهم وبيننا نحن المتدربين هي الإنجليزية. إذ كانوا يتحدثون معنا بالإنجليزية لكن على طريقة اللغة الألمانية في مخارج بعض الحروف. وكنت أراهم لا يشعرون بأدنى حرج وهم يتعثرون في وصف بعض الأمور من مادة التدريب بالإنجليزية لدرجة أنني وزملائي كنا نتعجب فيما بيننا.

والأكثر من ذلك أنه عندما كان يتعثر المتحدث منهم فيما يقصد باللغة الإنجليزية كان يستعين بزميله الجالس بيننا نحن المتدربين في ترجمة ما يقصد من الألمانية إلى الإنجليزية. واستوقفني هذا المشهد طويلًا ورحت أتساءل في نفسي ماذا لو كان المُدربون من المصريين والمتدربون من الألمان وكانت اللغة الإنجليزية هي اللغة المشتركة بينهم أيضًا.

هل كانوا سينزعجون إذا تحدثوا الإنجليزية على الطريقة المصرية؟ هل سيشعرون حينها بالحرج إذا تعثر الواحد منهم في وصف ما يريد باللغة الإنجليزية؟ وهل هم يجيدون اللغة العربية "لغتهم الأم" إجادة تامة تُمكن المتعثر منهم من وصف ما يقصد فيستطيع زميله ترجمة ما يقصد؟

كانت تدور في ذهني هذه الأسئلة كلها وأنا أستمع إليهم وقت المحاضرات إلى أن  تجاذبت معهم أطراف الحديث في فترات الاستراحة حول تعلم اللغة الأجنبية وطريقتهم الألمانية عند التحدث بالإنجليزية. ضحك الثلاثة وقال أحدهم المهم أننا نجيد اللغة الألمانية لغتنا الأم ونستطيع أن نصف بها دقائق الأمور. وتساءل آخر ألم نسمع إنجليزية على الطريقة الصينية وإنجليزية على الطريقة الهندية؟!

فأخبرته وثمة إنجليزية على الطريقة المصرية فضحكنا جميعًا. واتفقنا جميعًا على أن الغرض من تعلم لغة أجنبية هو التواصل مع الأجانب وتناقل المعنى المقصود من وراء الحديث. وليس اختزال المجهود في محاكاة لكنة الأجانب. لأننا مهما اجتهدنا في اكتساب اللكنة فنحن أجانب بالنسبة لهم. وإننا لا نتعلم اللغة الأجنبية لنستبدلها باللغة الأم. حمدت الله بعد انتهاء حديثنا أنني أُجيد لغتي الأم وأعتز بها وإلا كنت سأشعر أمامهم بالخزي والصغار.

تذكرت هذا الحديث عندما تعاونت ذات يوم مع زملاء من إدارة مجاورة في مشروع في العمل. وقد كانت مراسلات الزملاء معي باللغة الإنجليزية. لكن مع الأسف كنت لا أفهم مقصدهم في الرسائل على الرغم من إجادتي اللغة الإنجليزية. فكانت الرسائل بمثابة مجموعة متناثرة من كلمات باللغة الإنجليزية لكن لا يربطها معنى أفهم منه الغرض من تلك الرسائل.

فكنت أذهب للمُرسِل لمعرفة المقصود. وسألتهم: "ما المانع في استخدام لغتنا الأم ما دام لا يوجد بيننا أجانب؟" فكان ردهم أن مديرهم أصدر قرارًا بأن المراسلات لا بد وأن تكون باللغة الإنجليزية. مع العلم بأن أكثرهم لا يجيدها ولا يحتاج إليها في وظيفته. غير أن استخدامها يعد من عوامل تقييم مديرهم لهم بل وانطباعه عنهم.

فأغاظني ما سمعت خاصة وأن رأيي في ذلك المدير عند التحدث معه والاتفاق على التعاون في المشروع أنه يهتم بالشكل ولا يعبأ بالمضمون فهو كالبالون سرعان ما يفرغ. وما أغاظني هو درجة تفاهة وضحالة ذلك المدير التي انسحبت على قراره أن تكون مراسلات موظفيه باللغة الإنجليزية. وإن كان أغلبهم لا يجيدها  بحجة أن ذلك يجاري الحداثة والعالمية. فتجده لا يدري أن اللغة لا بد أن تحمل معنى. فيفرح بالحروف اللاتينية التي في الرسائل. ولا ينزعج من كونها لا تحمل معنى!

لمزيد من الاطلاع:

https://asmaanawar.com/my-beloved-the-arabic-language/