طبيب الأسنان وبائع الذرة المشوية

أسماء راغب نوار | طبيب الأسنان وبائع الذرة المشوية

 

احتجت إلى الذهاب لطبيب أسنان ذات يوم فذهبت إلى أحد أطباء التأمين الصحي الذي تكفله جهة عملي. وقال لي الطبيب:  "إن كل ما في الأمر أنكِ بحاجة إلى إزالة رواسب جيرية من أسنانك، وإننا سنخاطب شركة التأمين لأخذ موافقة على ذلك، ومن ثم نزيل تلك الرواسب، ولو ممكن تنتظري بعض الوقت حتى نخاطب الشركة الآن ونحصل على الموافقة، أو نزيلها في وقت لاحق بعد التنسيق معكِ على الوقت المناسب لكِ".

أخبرته أن وقتي لا يسمح بالانتظار وسأنتظر مكالمة منكم لتحديد موعد مناسب، وبالفعل اتصل بي موظف من العيادة بعد يومين قائلًا: "لقد حصلنا على الموافقة ولن تتحملي أية مصروفات".

ولما وصلت إلى العيادة للمرة الثانية وعرَّفت الموظفة بنفسي وطلبي وشركة التأمين التي أتبعها أخبرتني أنني سأدفع (200) جنيه إذ إن الشركة لا تُغطي إزالة الرواسب الجيرية وأطلعتني على لائحة الشركة فأذعنت ودفعتُ ما طلبت. ورحت أتساءل في نفسي وأنا تحت يد الطبيب وهو يزيل الرواسب: "من أين يخبرني الموظف عند الاتصال بأنني لن أتحمل أية مصروفات، ثم يخبرونني الآن أن التأمين لا يغطي إزالة الرواسب الجيرية؟!"

فطلبت من الموظفة الاطلاع على الموافقة بعدما انتهيت فأوصلتني بالطبيب فاعتذر عن سوء الفهم الذي حدث. ورد لي الـ (200 ) جنيه التي دفعتها، وعندما اطلعت على نموذج طلب الموافقة بعد الرجوع إلى المنزل وجدت مكتوبًا عليه حشو ضرس وإزالة رواسب جيرية. وأن الموافقة على حشو الضرس فقط  الأمر الذي نزل عليَّ كالصاعقة فزغلل عيني وعطل تفكيري لبعض الوقت بلا مبالغة. فلم أستطع النطق من هول ما رأيت من طبيب يكذب ويسرق ويغش بهذه السهولة.

فلم أحتج إلى حشو الضرس الذي سيتقاضى ثمنه (800 جنيه) من شركة التأمين. وكان يعزم على أن يتقاضى ثمن إزالة الرواسب مني لولا ارتيابي في الأمر واستقصائي له مما دفعني إلى إبلاغ موظف الرعاية الصحية في العمل بما حدث بعدما أكد لي أن التأمين بالفعل لا يغطي إزالة الرواسب الجيرية. وأخبرته بكل أسف أنه رد إلي ما دفعت على الرغم من عدم تغطية تأميني الصحي ما أحتاج إليه، فشاركني الذهول، وشكرني على إبلاغه، واهتم اهتمامًا بتدوين الواقعة ليتخذ اللازم مع الطبيب.

ذكَّرني ما رأيت من طبيب الأسنان بما حدث لي مع بائع الذرة المشوية  عمَّا إذا كانتْ ذُرَتُهُ حلوةً أمْ لا.. ردَّ عليَّ متأسِفًا: لا!.

وعندما كررت سؤالي على البائعِ نفسِه هذِهِ المرةَ.. ردَّ عليَّ فرحًا: أنْ نعم!

ولما أخبرته بأنني معجبة بأمانته قال: " أومال أكدب علشان كوز درة؟!"

فلمستُ من الحادثتين عدالة ربنا جلَّ وعلا في قوله في سورة الحجرات: "إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ". فمعيار الكرم والفخر عند الله هو التقوى. والتقوى صفة في النفس تحمل الإنسان على فعل ما أمر الله والامتناع عما نهى عنه. وما رأيت من بائع الذرة- على رقة حاله- سوى سمو النفس وكرم الأخلاق بل خشية الله ومخافته على عكس ما لمستُ من طبيب الأسنان على ترف حاله!


لمزيد من الاطلاع:

https://asmaanawar.com/asmaa_blocks/