إسلام بلا مذاهب -تصور الشيعة للإمام والإمامة
ما تصور الشيعة للإمام والإمامة؟
تصور الشيعة للإمام والإمامة:
يعترف أئمة الشيعة - وفى مقدمتهم آية الله الخميني ـ بأنه لم يرد نص في القرآن الكريم بشأن الإمامة، وإنما هي عقيدة فرضها العقل، ويذهب آية الله الخميني في تعبيره مذهبًا غاليًا حيث يقول: "إن العقل ذلك المبعوث المقرب من لدن الله الذي يعد بالنسبة للإنسان كعين ساهرة لا يستطيع أن يحكم بشيء، إما أن يقول بأنه لا حاجة لوجود الله ورسوله، وأن الأفضل أن يكون التصرف في ضوء العقل، أو أن يقول بأن الإمامة أمر مسلم به في الإسلام، أمر الله به نفسه، سواء جاء ذلك في القرآن أم لم يجيء". وهو كلام بالغ الغرابة، خاصة تلك المعادلة التي قالها آية الله الخميني بأنه إما أن توجد الإمامة وإما أنه لا حاجة إلى وجود الله ورسوله.
ويفرد آية الله الخميني في كتابه عنوانًا كبيرًا هذا نصه: لماذا لم يذكر القرآن اسم الإمام صراحة؟ ثم يتولى بنفسه الإجابة عن السؤال على هذا النحو: « إنه كان من الخير أن ينزل الله آية تؤكد كون علي بن أبي طالب وأولاده أئمة من بعد النبي، إذ إن ذلك كان كفيلًا بعدم ظهور أي خلاف حول هذه المسألة، وهو قول خطير، لأن آية الله يوجه نقدًا إلى المولى عز وجل، وهو ما نعيذ أي مسلم من التورط فيه، على أن الرجل لا يلبث أن يناقض نفسه قائلًا: إلا أننا على ثقة بأن الله حتى لو فعل ذلك فإن الخلافات لم تكن لتزول، بل إن أمورًا مفسدة أخرى كانت ستقع حتمًا، ويمضي آية الله الخميني في الحديث عن هذه ( الأمور المفسدة) معرضًا بصحابة رسول الله ﷺ، متهمًا الخلفاء الراشدين بالتزوير وتزييف القرآن الكريم فيما لو كانت نزلت فيه آيات عن الإمامة قائلًا: لو كانت مسألة الإمامة قد تم تثبيتها في القرآن فإن أولئك الذين لا يعنون بالإسلام والقرآن إلا لأغراض الدنيا والرئاسة كانوا سيتخذون من القرآن وسيلة لتنفيذ أغراضهم المشبوهة، ويحذفون تلك الآيات من صفحاته، ويسقطون القرآن من أنظار العالمين إلى الأبد، ويلصقون العار - وإلى الأبد - بالمسلمين وبالقرآن، ويثبتون على القرآن ذلك العيب الذي يأخذه المسلمون على كتب اليهود والنصارى.
وعن مقام الأئمة ومنزلتهم يقول آية الله الخميني في كتاب الحكومة الإسلامية: إن للإمام مقامًا محمودًا ودرجة سامية، وخلافة تكوينية تخضع لولايتها وسيطرتها جميع ذرات هذا الكون، ثم يستطرد قائلاً: وإن من ضروريات مذهبنا أن لأئمتنا مقامًا لا يبلغه ملك مقرب، ولا نبي مرسَل.
ما مدى تقديس الأئمة لدى الشيعة؟
الغلو في تقديس الأئمة:
هكذا غلا آية الله الخميني في تقديس الأئمة غلوًا شديدًا طبقا لما قرره في السطور السابقة من كتابه "الحكومة الإسلامية"، فقد فضلهم على جميع الملائكة وجميع الأنبياء والمرسلين بغير استثناء أو تحفظ، غير أن ذلك الذي ذكره آية الله الخميني لا يعبر عن عقيدة خاصة به، وإنما هو يردد ما يعتقده كثير من صفوة علماء الشيعة، وعلى رأسهم الكليني في كتابه "الكافي" الذى يحتل عند الشيعة مكانة شبيهة بمكانة صحيح البخاري عند أهل السنة، وإذا كان المقام هنا يضيق عن اقتباس نماذج مما ورد حول قداسة الأئمة في ذلك الكتاب، فإن عناوين بعض أبواب ذلك الكتاب تفي بالغرض في هذا المقام، فمن هذه العناوين نذكر: (باب الأئمة يعلمون جميع العلوم التي خرجت إلى الملائكة والأنبياء والرسل)، وباب أن الأئمة يعلمون متى يموتون، وأنهم لا يموتون إلا باختيارهم، وباب ( أن الأئمة يعلمون علم ما كان وما يكون، وأنه لا يخفى عليهم شيء) وباب (أنه لم يجمع القرآن كله إلا الأئمة وأنهم يعلمون علمه كله)، وباب (ما عند الأئمة من آيات الأنبياء)، وباب (أن الأئمة إذا ظهر أمرهم حكموا بحكم داود وآل داود ولا يسألون البينة).
وينقل آية الله الخميني هذا الغلو عن "شرح الكافي" وهو: "عن محمد بن سنان قال: كنت عند أبي جعفر الثاني فأجريت حديثًا عن اختلاف الشيعة، فقال: يا محمد، إن الله تعالى لم يزل متفردًا بوحدانيته، ثم خلق محمدًا وعليًّا وفاطمة، فمكثوا ألف دهر، ثم خلق الأشياء، فأشهدهم خلقها وأجرى طاعتهم عليها، وفوض أمورها إليهم، فهم يحللون ما يشاءون ويحرمون ما يشاءون إلا أن يشاء الله تعالى.
إن هذا الغلو قد أثار بعض علماء الشيعة المعاصرين فأنكروه إنكارا شديدًا، ورأوا أن هذا الغلو في شأن الأئمة لا يرفع من قدرهم، وإنما يسيء إليهم، من هؤلاء العلماء العلامة الفقيه الشيعي الإيراني الدكتور موسى الموسوي الذي يرد على هذا الغلو بقوله: إن بعض علمائنا قالوا: إن الإمام يعلم كل شيء، وله معرفة بكل العلوم والفنون.. ويستطرد الدكتور الموسوي قائلًا: ولست أدري ما هي الفضيلة بالنسبة للإمام أن يكون مهندسًا، أو ميكانيكيًّا، أو عالمًا باللغة اليابانية، إنما الفضيلة بالنسبة للإمام أن يكون فقيهًا ورعًا، وعالمًا ربانيًّا في شئون الدين، وفي هذا كل الفضل، ثم إذا كان القرآن الكريم يقول فى الرسول الذى أرسله الله للناس ضياء ونورًا في مقام نفى علم الغيب عنه: ﴿قُل لَّا أَمْلِكُ لِنَفْسِي نَفْعًا وَلَا ضَرًّا إِلَّا مَا شَاءَ اللَّهُ وَلَوْ كُنتُ أَعْلَمُ الْغَيْبَ لَاسْتَكْثَرْتُ مِنَ الْخَيْرِ وَمَا مَسَّنِي السُّوءُ إِنْ أَنَا إِلَّا نَذِيرٌ وَبَشِيرٌ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ﴾ فكيف تسوغ لنا نفوسنا أن ننسب إلى أئمتنا صفات تعلو على صفات رسول الله ﷺ ... إنه بمحمد ختمت الرسالة وختمت المعجزات وأكمل الدين وأتمت النعمة وجاء قول الله صريحًا وجليًّا: (الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا).
ويمضي الدكتور موسى الموسوي على نهجه في مؤاخذة فقهاء المذهب ومراجعه قائلًا: إن المؤسف حقًّا هو أن الغلو النظري مثل العملي، دخل إلى أعماق القلوب عن طريق فقهاء المذهب والمجتهدين، فالمسئولية الأولى والأخيرة تقع على عاتقهم، لأنهم هم الذين قادوا العوام على الطريق ، فهناك أمور نسبتها كتب الشيعة إلى الأئمة، وتبناها فقهاء المذهب، وذكرتها كتب الروايات الموثوقة عندهم مثل: أصول الكافي، والوافي، والاستبصار، ومن لا يحضره الفقيه، ووسائل الشيعة، وغيرها من أهم الكتب والمصادر الشيعية، وفي كثير منها الغلو، وفى كثير منها الحط من قدر الأئمة ولكن بصورة غير مباشرة.
ويتحرز الدكتور الموسوي قليلًا في شأن قلة من العلماء اتخذوا موقفًا منصفًا، لكنه لا يلبث أن يقرر أن الأكثرية منهم ساروا على درب الغلو من ألفه إلى يائه، ثم يذكر أهم موضوعات الغلو التي اعتمدها علماء الشيعة واعتقدوها في الأئمة وهي: العصمة، والعلم اللدني، والإلهام، والمعاجز. والإخبار بالغيب، والكرامات والمعجزات، وتقبيل الأضرحة، وطلب الحاجات.
ما معنى الرجعة لدى الشيعة؟
الرجعة:
إن هذا الموضوع - موضوع الرجعة - هو من المعتقدات الأساسية في المذهب الشيعي، ومفاده أن الأئمة الاثنى عشر سيعودون إلى الدنيا في آخر الزمان الواحد بعد الآخر، لكي يحكموا الدنيا تعويضًا لهم عن حرمانهم من حقهم في الحكم الذي حرموا إياه إبان حياتهم، ويكون أول إمام يرجع إلى الدنيا هو الإمام الثاني عشر محمد بن الحسن العسكري الذي يمهد الأمر لآبائه وأجداده فيتولون الحكم من بعده واحدًا بعد الآخر حسب التسلسل الزمنى لهم، فيحكم الواحد منهم فترة من الزمن ثم يموت مرة أخرى ليتولى بعده الحكم من يليه في الترتيب، وهكذا حتى الإمام الحادي عشر الحسن العسكري وتقوم القيامة بعد ذلك.
ولقد نسبت روايات كثيرة فى هذا الأمر إلى كل من الإمامين الجليلين محمد الباقر وولده جعفر الصادق، منها على سبيل المثال: قال أبو عبد الله - يعنى سيدنا جعفرا - ينادي باسم القائم - أي الإمام محمد الثاني عشر - في ليلة ثلاث وعشرين، ويقوم يوم عاشوراء، لكأني به في اليوم العاشر من المحرم قائمًا بين الركن والمقام، جبريل عن يمينه ينادي: البيعة لله، فتسير إليه الشيعة من أطراف الأرض تطوى لهم طيًّا حتى يبايعوه، وقد جاء في الأثر أنه يسير من مكة حتى يأتي الكوفة، فينزل على نجفنا، ثم يفرق الجنود منها في الأمصار.
وروى الحجال عن ثعلبة عن أبي بكر الحضرمي عن سيدنا محمد الباقر قال: كأني بالقائم عليه السلام على نجف الكوفة، وسار إليها من مكة في خمسة آلاف من الملائكة، جبريل عن يمينه وميكائيل عن شماله، والمؤمنون بين يديه، وهو يفرق الجنود في البلاد.
وروى عبد الكريم الجعفى قال: قلت لأبي عبد الله (يعنى سيدنا جعفرا): كم يملك القائم عليه السلام؟ قال: سبع سنين تطول حتى تكون السنة من سنيه مقدار عشر سنين من سنيكم، فتكون سنو ملكه سبعين سنة من سنيكم هذه.
وروی عبدالله بن المغيرة عن أبي عبد الله (يعنى سيدنا جعفرا الصادق) عليه السلام قال: إذا قام القائم من آل محمد أقام خمسمائة من قريش فضرب أعناقهم، ثم خمسمائة أخرى حتى يفعل ذلك ست مرات. قلت - يعنى ابن المغيرة - ويبلغ عدد هؤلاء هذا؟ قال جعفر الصادق: نعم، منهم ومن مواليهم.
إن الشيء الذي يدعو إلى التوقف طويلًا والتأمل كثيرًا هو أن هذه الروايات منسوبة إلى إمامين عظيمين جليلين من أئمة بيت النبوة لم يعرف عنهما شيء من هذا العنف في التفكير أو التعبير، هما محمد الباقر وولده جعفر الصادق، الأمر الذي أثار ثائرة بعض علماء الشيعة أنفسهم، وفى مقدمتهم الدكتور موسى الموسوي في كتابه "الشيعة والتصحيح" الذي مر ذكره.
يقول العلامة الدكتور الموسوي: إن مؤلفي هذه الكتب لم يكتفوا من القول برجعة أئمة الشيعة فحسب، بل أضافوا عليها أفكارًا أخرى، وكلها مستوحاة من تلك الروايات الموضوعة، وقالوا إن الرجعة لا تشمل أئمة الشيعة وحدهم، بل تشمل غيرهم، وذكر أسماء نفر غير قليل من صحابة رسول الله ﷺ زعم الشيعة أنهم من أعداء الأئمة، وأنهم منعوهم من الوصول إلى حقهم فى الحكم، كل هذا حتى يتسنى للأئمة الانتقام منهم في هذه الدنيا.
ويستطرد الدكتور الموسوي قائلًا: ولو أن الذين كانوا وراء فكرة الرجعة مخلصين لأئمة الشيعة لما صوروهم بهذا المظهر الراغب في الحكم، حتى إن الله سيعيدهم إلى هذه الدنيا الفانية مرة أخرى ليحكموا فيها بعض الوقت، وهم أئمة لهم جنة عرضها كعرض السموات والأرض أعدت للمتقين، والإمام عليّ نفسه يقول: والله إن دنياكم هذه لأهون عندي من ورقة في فم جرادة تقضمها.
ويمضي العلامة الموسوي في النكير على فكرة الرجعة قائلًا: وهذه البدعة تختلف عن البدع الأخرى التي أضيفت إلى الأفكار الشيعية حيث لم يترتب عليها تنظيم سياسي عملي أو اجتماعي أو اقتصادي، اللهم إلا شيء واحد قد يكون هو السبب في اختلاق فكرة الرجعة، وهو استكمال العداء وتمزيق الصف الإسلامي بمثل هذه الخزعبلات التي دونت وقيلت في انتقام الأئمة من صحابة رسول الله ﷺ.