إسلام بلا مذاهب - الشيعة
الشيعة
ما نشأتها وماهيتها؟
إذا قلنا شيعة فلان كان القصد من ذلك أعوانه وأنصاره، والمشايعة الموافقة والمناصرة، ولذلك عندما مات عثمان، انقسم المسلمون إلى حزبين، الحزب الأكبر وقد سمى «شيعة» عليّ، والحزب الأقل وقد سُمي شيعة معاوية، ثم ما لبث اللفظ بمرور الأيام أن اتخذ معنى محددًا، وهو أنصار عليّ بن أبي طالب، وأبناؤه وأحفاده من بعده.
وبمرور الزمن وتقادمه ازداد حماس المؤمنين بعلي وأبنائه وأحفاده كأئمة على المسلمين من حقهم الولاية والريادة والإمامة.
ومهما كان الأمر، فالشيعة يرون أن التشيع عقيدة دينية خالصة، وهناك آخرون من المسلمين يرون أن التشيع فكرة سياسية خالصة، وهناك أيضًا من يرى أن التشيع وجدان عاطفي خالص.
هل التشيع عقيدة دينية؟
فأما الذين يذهبون إلى أن التشيع عقيدة دينية فحجتهم الحديث الشريف حين انصرف النبي ﷺ من حجة الوداع في غدير خُمّ: (من كنت مولاه فعلي مولاه، اللهم والِ مَنْ والاه، وعَادِ مَنْ عاداه). ورأى الشيعة في ذلك وصية لعلي بأن يكون أميرًا للمؤمنين وإمامًا للمسلمين، وهذا بالإضافة إلى أحاديث أخرى مثل قوله عليه السلام: «أنا مدينة العلم وعلي بابها». وقوله: (علي مني بمنزلة هارون من موسى غير أنه لا نبي بعدي). وقوله صلى الله عليه وسلم: (لا يحبك إلا مؤمن ولا يبغضك إلا منافق).
إلى غير ذلك من الأحاديث التي يتمسك بها الشيعة ويرفضها غيرهم ويضعفونها، أو يؤولونها تأويلًا مخالفًا، وعلى ذلك تكون إمامة عليّ للمسلمين في نظر الشيعة إمامة حتمية يفرضها الدين وتحتمها العقيدة، ومن هنا ذهب أكثر الشيعة إلى خلافة أبي بكر وعمر وعثمان كلها باطلة، بل من الشيعة الغالية من كفر الثلاثة الكرام.
وإذا كان النبي قد أوصى لعلي، فإن عليًّا قد أوصى للحسن، وأوصى الحسن للحسين، وهكذا حسب التسلسل الذي جرى عليه في مختلف فرقهم ومذاهبهم، على ما سنبين فيما يستقبل من حديث.
هل التشيع مجرد فكرة سياسية؟
وأما الذين يذهبون إلى أن التشيع مجرد فكرة سياسية فحججهم كثيرة، فحق الأقربين في وراثة الرياسة أمر لا يقره الإسلام، والبديهة الدينية تقول إن الأنبياء لا يورثون، ولو شاء الله لجعل لمحمد ولدًا وهو الرسول الذي اصطفاه واجتباه. والذين بايعوا عليًّا بإمارة المؤمنين لم يبايعوه لأنه رمز ديني، أو لأنه وصي النبي، بل لأنهم رأوا أنه أحق المسلمين بولاية أمر المسلمين، تمامًا كما رأى المسلمون السابقون أحقية أبي بكر بالخلافة فبايعوه ومن بعده عمر ثم عثمان.
هل الشيعة فكرة دينية أم فكرة سياسية؟
فالشيعة إذن لم يكونوا أول الأمر فرقة دينية، بل فكرة سياسية تعبر عن رأي سياسي في أن علي بن أبي طالب أحق بالخلافة من معاوية، وكان المسلمون يتفاوتون في مدى تحمسهم لعلي وانتصارهم له، وإن كانوا يؤمنون جميعًا بأن معاوية لم يكن جادًا حينما غضب لقتل عثمان، بل اتخذ هذا القتل ذريعة لتعكير الجو في وجه علي حتى تحين له الفرصة فيصل إلى الأمر الذي تمناه، وهو الحيلولة بين علي وبين الخلافة حتى تخلص له، وليس ثمة شك في أن معاوية كان حسن الحظ حين واتته الخلافة بهذا الشكل الذي نعرفه في كتب التاريخ، فمعاوية قد انهزم في موقعة صفين، وبغض النظر عن مهزلة التحكيم نستطيع أن نقول إنه لولا مقتل علي ما صارت الخلافة إلى معاوية ولا تربع على عرشها أموي واحد.
هذه الحركات كلها، وانتصار المسلمين لعلي كان انتصارًا سياسيًّا ولم يكن انتصارًا دينيًّا، فعلي أحق بالخلافة في نظرهم لفضله وعلمه وحكمته وسابقته في الإسلام، ثم أخيراً لأنه ابن عم النبي وصهره.
وكثير من مؤيدى على المنتصرين له حتى بعد وفاته لم يكن انتصارهم له أكثر من انتصار لمبدأ الخلافة، فقصة حجر بن عدى الكندى تعد تعبيرًا صادقا لهذا الاتجاه، ذلك أن المغيرة بن شعبة الثقفى كان واليًا على الكوفة من قبل معاوية بعد مقتل علي، وكان دائم اللعن لعلي فوق المنبر، دائم الترحم على عثمان والاستغفار له، فكان حجر لا يكاد يسمع الوالي يلعن عليًّا ويسبه حتى يرد بصوت مرتفع أجش: بل إياكم فذمّم الله ولعن. وكان حجر يعارض المغيرة فى المسجد وينهره فى شجاعة ويقول: «إنك لا تدري بمن تولع في هرمك أيها الإنسان، مُرْ لنا بأرزاقنا وأعطياتنا فإنك قد حبستها عنا وليس ذلك لك. ولم يكن يطمع في ذلك من كان قبلك، وقد أصبحت مولعًا بذم أمير المؤمنين وتقريظ المجرمين). صحيح أن حجرًا قد انتهى أمره إلى القتل، ولكنه قُتل وهو مؤمن بعلىّ كأمير على المؤمنين وليس إمامًا للمسلمين على النحو الذي يعتقده الشيعة.
وهناك برهان آخر يتمثله الذين يقولون بأن التشيع بدأ مذهبًا سياسيا وليس عقيدة دينية، ذلك هو إجماع الفرس - ولا يزالون حتى اليوم - على التشيع لآل علىّ.
ما العلاقة بين الفرس والحسين رضي الله عنه؟
والمنطق فى ذلك أن الفرس يعتقدون أنهم أنسباء الحسين لأنه تزوج شهربانو (سلافة) ابنة يزدجرد بعد أن وقعت أسيرة في أيدي المسلمين، ولقد أنجبت سلافة عليًّا زين العابدين رضى الله عنه، وإذن فهم أخوال علي، ويمكن الربط بين تحمسهم لابن ابنتهم وبين تشيعهم، فتشيعهم والحال كذلك لا يمكن أن يقال إنه تشيع عقيدة خالصة، بل هو أقرب إلى تشيع العصبية منه إلى تشيع العقيدة، وتشيع العصبية يساوى تشيع السياسة، ففكرة التشيع من ناحية الفرس على الأقل فكرة سياسية خالصة، بل إن بعض الفرس قد أعلن انتصاره لعلي زين العابدين لما يربط بين الفرس وبين بيت الحسين من نسب.
هل التشيع فكرة وجدانية عاطفية لها علاقة بالعقيدة الدينية؟
والذين يرون أن التشيع فكرة وجدانية عاطفية لها علاقة بالعقيدة الدينية وما واكب ذلك من اشتراعات دينية محددة، يقولون إن آل بيت الرسول ينبغي حبهم وتكريمهم والتعلق بهم، لأنهم أهله وعترته وأحبابه، فَمَنْ من المسلمين لا يحب فاطمة والحسن والحسين سيدى شباب أهل الجنة، وهما اللذان أدخلا السرور والبهجة على قلب جدهما رسول الله حينما كانا طفلين صغيرين جميلين، يتسلقان كتفيه، ويلاعبانه ويداعبانه، فيهش لهما ويطرب ويفرح، لأن محمدًا الإنسان كان خير بنى الإنسان. عاطفة أبوة، فلم تكن عظمته فى كونه رسولًا وحسب، بل كانت عظمته أيضًا في كونه إنسانًا عظيمًا يفيض قلبه بالحب ويفعم صدره بالحنان.
فإذا ما نظرنا إلى ما حل بأهل البيت الكريم، برجاله ونسائه وأطفاله من تعذيب وتشريد وتقتيل، وهم عترة النبي وآل بيته وأحب الناس إليه، إذا ما نظرنا إلى ذلك كان علينا أن نتعلق بهم حبًّا وأسى وشفقة ورحمة، فقد لقوا من الاضطهاد في عصر الأمويين ما أسال دماءهم الطاهرة، وشرد أطفالهم الأبرياء، وعذب نساءهم الطاهرات المحصنات، ولم يقف الاضطهاد بذهاب الأمويين وفناء دولتهم، بل إن ما لقوه من أبناء عمومتهم العباسيين لأشد وأنكى من تعذيب وتشريد الأمويين.
هذه المحن التي حلت بآل البيت قد جعلت كثيرًا من المسلمين يتشيعون لهم ويتعصبون، تشيع عاطفة وتعصب حب، لا تشيع عقيدة دينية ترتكز على أصول عقائدية معينة.
للاطلاع على المزيد:
https://asmaanawar.psee.io/6lz8pb
https://asmaanawar.psee.io/6lz8ne
https://asmaanawar.psee.io/6lz8nq
https://asmaanawar.psee.io/6m9m7j
https://asmaanawar.psee.io/6mfhrn
https://asmaanawar.psee.io/6mvphh
للاطلاع على الكتاب بأكمله:
https://asmaanawar.psee.io/6mfkam